دعاء السيدة الزهراء فاطمة عليها السلام عن أبيها رسول الله محمد صل الله عليه وعلى آله وسلم:
« يا اللهُ يا أَعَزَّ مَذْكُورٍ وأَقْدَمَهُ قِدَماً في العِزَّةِ والجَبَروتِ. يا اللهُ يا رَحِيمَ كُلِّ مُسْتَرْحِمٍ ومَفْزَعَ كُلِّ مَلْهُوفٍ. يا اللهُ يا راحِمَ كُلِّ حَزِينٍ يَشْكُو بَثَّهُ وَحُزْنَهُ إِلَيْهِ. يا اللهُ يا خَيْرَ مَنْ طُلِبَ المَعْرُوفُ مِنْهُ وأَسْرَعَهُ إعْطَاءً. يا اللهُ يا مَنْ تَخَافُ المَلائِكَةُ المُتَوَقِّدَةُ بِالنُّورِ مِنْهُ. أَسْأَلُكَ بِالأَسْمَاءِ الَّتي يَدْعوكَ بِها حَمَلَةُ عَرْشِكَ ومن حَوْلَ عرشِكَ يُسَبِّحُونَ بِها شَفَقَةً مِنْ خَوْفِ عَذابِكَ، وبِالأَسْماءِ الَّتِي يَدْعُوكَ بِها جَبْرَئِيلُ ومِيكائِيلُ وإِسْرافِيلُ إلَّا أَجَبْتَني وكَشَفْتَ يا إلَهي كُرْبَتِي وسَتَرْتَ ذُنُوبِي. يَا مَنْ يَأْمُرُ بِالصَّيْحَةِ فِي خَلْقِهِ فَإذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ، أَسْأَلُكَ بِذَلِكَ الاسْمِ الَّذي تُحْيِي بِهِ العِظَامَ وَهِيَ رَميمٌ، أنْ تُحيِي قَلْبِي وَتَشْرَحَ صَدْري وَتُصْلِحَ شَأْنِي. يا مَنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِالبَقَاءِ وَخَلَقَ لِبَرِيَّتِهِ المَوْتَ والحَياةَ، يَا مَنْ فِعْلُهُ قَوْلٌ وَقَوْلُهُ أَمْرٌ وَأَمْرُهُ مَاضٍ علَى ما يَشَاءُ. وأَسْأَلُكَ باسْمِكَ الَّذي دَعاكَ بِهِ خَلِيلُكَ حينَ أُلْقِيَ في النَّارِ فاسْتَجَبْتَ لَهُ وقُلْتَ يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وبِالاسْمِ الَّذي دَعَاكَ بِهِ مُوسَى مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ فاسْتَجَبْتَ لَهُ دُعَاءَهُ، وبالاسْمِ الَّذِي كَشَفْتَ بِهِ عَنْ أَيُّوبَ الضُرَّ، وَتُبْتَ عَلى دَاوُدَ، وسَخَّرْتَ لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ والشَّيَاطِينَ، وعَلّمْتَهُ مَنْطِقَ الطَّيْرِ، وبِالاسِمِ الَّذِي وَهَبْتَ لِزَكَرِيَّا يَحْيَى، وخَلَقْتَ بِهِ عِيسَى مِنْ رُوحِ القُدسِ مِنْ َغْيِر أَبٍ، وبِالاسْمِ الَّذِي خَلَقْتَ بِهِ العَرْشَ والكُرْسِيّ، وبِالاسْمِ الَّذِي خَلَقْتَ بِهِ الرَّوْحانِيّينَ، وبِالاسْمِ الَّذي خَلَقْتَ بِهِ الجِنَّ والإِنْسَ، وبِالاِسْمِ الَّذِي خَلَقْتَ بِهِ جَمِيعَ الخَلْقِ وَجَمِيعَ مَا أَرَدْتَ مِنْ شَيْءٍ، وبِالاسْمِ الَّذِي قَدرْتَ بِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، أَسْأَلُكَ بِهَذِهِ الأَسْماءِ لَمَّا أَعْطَيْتَني سُؤْلي وَقَضَيْتَ بِهَا حَوَائِجِي »
وهنا بعد الاستهلال بهذا الدعاء الجميل سنتطرق إلى جانب مهم من جوانب الإيمان بالله ألا وهو الدعاء، خير مايحبه الله في عبده، ألم يقل سبحانه وتعالى:
« وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ »
سنكمل وسنعرّج على بعض فلسفة الدكتور الشيخ مازن الشريف في الدعاء، إذ من خلاله نستذكر وندخل أبواب النبي وأهل بيته لغةً وحباً. وسنقدم مثالاً في آخر دعاء له ذكره منذ يومين ببداية شهر رمضان المبارك.
الشيخ مازن في الدعاء :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اللهم صل على محمد وآل محمد
هذا ما يبتدئ به الشيخ فاتحته الدائمة في الدعاء ليدخل رويداً رويداً في التفاصيل بلغة محكمة وبمعانٍ حكيمة بالغة البيان وجميلة التبيين، فإذ به كقرآن آخر مفصّل يعيدنا إلى زمن الإمام عليّ كرّم الله وجهه إذ كان بوقته هو مفسّر القرآن يشرح بنهجٍ بليغٍ ليغدو بتفسيره وشرحه قرآن وفرقان يفصّل ويفصل ما بين الحقّ والباطل مستجلياً أعماق الباطن مزركشاً صور الظاهر بلغة بديعة رصينة مرصّعة مرصوفة بدقة، مضمونة وضامنة لنهجٍ لغوي سليم.
فإن كان النبي مدينة العلم كان الإمام عليّ بابها بشهادة نبينا، جامعاً شاملاَ مستشفّاً موحَى فيه بديعاً مبدعاً بكل فصل وفصيل من العلم والعرفان، فهو وحده فيصل البلاغة والقرآن.
والدكتور الشيخ مازن نراه يسير على نهجه ويُحيي سنّة جدّه و نبيّه بإسلوبٍ سلس بسيط يتماشى مع لغة عصرنا وبما يقرّب إلينا الفهم والوصول للمغزى بكل يسرٍ وسهولة ولنعلم ونتذكر أكثر بأنّ دين نبينا دين الإسلام والحق والعلم ودين الرحمة واللطف واليسر.
وهنا في هذا الدعاء يبدأ شيخنا دعاءه مخاطباً الله مفصّلاً ذاكراً المذنبون والمؤمنون والعاشقون والمخلِصون والمخلَصون فيقول:
إلهي، وقف ببابك المذنبون فتابوا، ووقف ببابك المؤمنون فهابوا، ووقف ببابك العاشقون ففنوا وذابوا.
وقصدك المخلِصون دعوتهم فاستجابوا، وحل بأعتابك المخلَصون فأخبتوا وأنابوا.
ويتابع الشيخ الدكتور مخاطبة المولى عزّ وجلّ بوصفه بالموئل ومجيب السؤال وبالسند والذخر والعز والفخر واللطيف والكريم والرؤوف الرحيم، داخلاً في أسمائه وصفاته الحسنى:
وأنت يا موئلي وسؤلي، وسندي وذخري، وعزي وفخري، لطيف كريم، رؤوف رحيم.
داعياً بالإخلاص له والتخليص به والتخصيص منه والتعليم عنه والاجتباء إليه والدلالة عليه:
فأخلصني لك، وخلصني بك.
واخصصني منك، وعلمني عنك.
واجتبيني إليك، ودلني عليك.
متمنيّاً راجياً أن يكون له كما كان لأهل عنايته وأقطاب ولايته وأن يجعله من حملة رايته محاكياً سنّة أنبيائه وسلفه:
وكن لي يا مولاي بما كنت به لأهل عنايتك، وأقطاب ولايتك، واجعلني من حملة رايته.
مدركاً في أعماق نفسه عظمة خالقه، مستقرئاً معاني آياته، هامساً بعمق أعماقه لخالقه بأن الله غالب على أمره ومطالب حقه من عبده:
فقد علمت أنك على أمرك غالب، ولعبدك بحقك عليه طالب.
مستجيراً به من غبشات العصر وطالباً كتابته في ألواح النصر:
فقد علمت أنك على أمرك غالب، ولعبدك بحقك عليه طالب.
وأجرني من غبشات العصر، واكتبني في ألواح النصر،
ولا تجعل مسعاي في خسر، ولا تسلط علي العسر، ولا تفتني باليسر.
متسمداً معانيه الراقية من قصص القرآن الواردة على ألسنة الأنبياء ومضيفاً معانٍ خاصة تحمل بصمته:
وأقمني لك من الحامدين، وثبتني عندك في العابدين، وارزقني من أنوار أسرارك وأسرار أنوارك وسابغ نعمك وواسع علومك وحكمك.
لك الحمد كله ولك العز كله، ولك الأمر أوله وآخره، وباطنه وظاهره.
فسبحانك من عظيم بلا شبيه، وسبحانك من محيط بملكوتك عليم بما فيه.
ولا إله إلا أنت، عزيزا حميدا، قويا مجيدا، مبدئا معيدا.
ومتّبعاً طريقة آل بيته الأطهار في معرفة الاسرار واستجلاء حقيقة الأنوار:
فصل على نورك الأول، ونبيك الأخير. وحبيبك الأقدم، ومحبوبك الأعظم، وعبدك الأكرم، ومبعوثك الأرحم. الأقرب إليك، الأدل عليك.
وعلى آله بشمول انطواء سره في سرهم، وظهور امره في أمرهم.
كما ينبغي له ولهم.
صلاة تشملنا بنفحاتها، وتنفعنا ببركاتها.
يا كريم.
خاتماً بالتسبيح مسبّحاً على من حبه ضياء ورحمته شفاء وسره خفاء:
سبحان من حبه ضياء، ورحمته شفاء، وأمره جلاء، وسره خفاء.
« رَبِّ ٱجْعَلْنِى مُقِيمَ ٱلصَّلَوٰةِ وَمِن ذُرِّيَّتِى ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ »
وفي النهاية لا يسعنا إلا أن نقول بأنّ الدكتور مازن الشريف شيخ الطريقة الخضرية المتجددة بإحياء دين نبينا محمد الصحيح والعودة إلى جميل ما أتى به من دينٍ نقي طاهر وأخلاق مبشّرة حميدة مذكّرة برحمة الله وواسع كرمه وجزيل عطائه… ونحن جيل هذا العصر من الزمان ما أحوجنا لهكذا إنسان تقي زكي واسع العلم والمعرفة وافرها، يربط العلم بالدين بحجة ومنطق وبرهان ويوصل المقطوع ويصل بالموصول، يجدد عهد الحب بالله خاتماً بالمحبة على خاتم النبيين وآل بيته الطاهرين مبتدئاً باسمهم ورافعاً كلمتهم ومحدّثاً بلغتهم ومجدّداً لكرمهم وعظيم علمهم… ومسلّماً بفضلهم وسلامهم والتسليم عليهم.
والصلاة والسلام على خير الأنبياء جميعا وعلى ختمهم وجامعهم ونورهم وقدوتهم وقائدهم محمد صل الله عليهم وعليه وعلى آل بيته الأنقياء.
وحفظ الله شيخنا ومعلمنا العلامة الدكتور مازن الشريف وكل عام ورمضان مبارك له وبه وفيه، إذ حريٌّ بنا ألا ننسى بأنّ السيد الشريف خصّص كتاب كامل في هذا الباب – باب الدعاء- سمّاه: “في أدب المناجاة والدعاء” ، واسمه لوحده تعليم وأدب ومنهج وطريقة لإسلوب وحالة الدعاء والمناجاة مع الله.
ونختم بهذه الحادثة في فضل الدعاء:
إذ روى معاوية بن عمّار أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) قال له ابتداء: يا معاوية! أمّا علمت أنّ رجلا أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) فشكى الإبطاء عليه في الجواب في دعائه فقال له: فأين أنت عن الدعاء سريع الإجابة؟ فقال له الرجل : ما هو؟ قال : قل :
اللهمّ! إنّي أسألك باسمك العظيم الأعظم الأجلّ الأكرم المخزون المكنون النّور الحقّ البرهان المبين الّذي هو نور مع نور ونور من نور ونور في نور ونور على نور ونور فوق كلّ نور ونور يضيء به كلّ ظلمة ويكسر به كلّ شدّة وكلّ شيطان مريد وكلّ جبّار عنيد لا تقرّ به أرض ولا تقوم به سماء ويأمن به كلّ خائف ويبطل به سحر كلّ ساحر وبغي كلّ باغ وحسد كلّ حاسد ويتصدّع لعظمته البرّ والبحر ويستقلّ به الفلك حين يتكلّم به الملك فلا يكون للموج عليه سبيل وهو اسمك الأعظم الأعظم الأجلّ النّور الأكبر الّذي سمّيت به نفسك واستويت به على عرشك وأتوجّه إليك بمحمّد وأهل بيته أسألك بك وبهم أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ( ويذكر حاجته ) .
وهذا الدعاء من جملة ما نقله الرواة عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في فضل الدعاء وأهمّيته.
وما أحوجنا في هذا الزمان من العودة إلى الله والدعاء خاشغين له خاضعين قانتين عابدين ساجدين مُخبتين مُنيبين.