نلقي الضوء في هذا المقال على فكرة التوسُّل و موضوع زيارة الصالحين في العقيدة، باعتبار ذلك أساساً في الدين، بل فرضاً على المؤمن والمؤمنة. والتوسل ومحبّة النبي وآل بيته والصالحين وتوقيرهم والتسليم بهم ولهم هو الطريق المستقيم الذي يوصلنا لله وبالله عزّ وجلّ. مستمدّين دراستنا هذه من دروس ومحاضرات الدكتور الشيخ مازن الشريف وفقهه في هذا المجال. فما هو التوسّل أولاً، مفهومه، أصله، خبره؟ إنَّ الله سبحانه وتعالى، هو مسبّب الأسباب، المتعالي على الأسباب، خالق آدم من تراب، مجري السحاب، شديد العقاب، قويّ العذاب، الذي يعطي بلا حساب، جعل له أبواب وحجاب وواسطات ووسائل: { يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ }. الله سبحانه وتعالى فضّلَ عباده بعضاً على بعض، لم يجعلهم على سواء مقام، لكل منّا مقام معلوم، فإبليس ظنّ أنَّ السرّ فيه وأنَّ سرّهُ عن ربّه يغنيه، وأنّ عبادته وارتقائه المقامي وما أعطاه ربّه أغناه عن ربّه، فأوقفه عند باب المدد والوسيلة والجاه والفضيلة: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ }. أدخله من باب الرّحيم، ورفضَ التوسّل بالسّجود لآدم لما أودع الله فيه من سرّ، فأخرجه من باب الرّجيم. وتاب الله على آدم لتوسّله بالنّبي وآله «اللهمّ بمحمّد وآل محمّد» كما أجمع العلماء: { فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }. حقيقة المدد، هل يمكن أن نأخذه مباشرةً من الله؟ الوسيلة يُتوسّل بها إلى الله لطلب المدد، لإرادة وجه الله. والمدد هو باب نور من الله، لا يكون إلا عن طريق واسطة، وأوّل الواسطة هو الحبيب المصطفى أحمد، محمّد عليه الصّلاة والسّلام. فإنّنا لا نبلغ أن نأخذ المدد من الله مباشرة. لمّا تجلّى الله على الجبل جعله دكّاً وصعق موسى ومات من كان معه: { وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ }. والحبيب محمّد كان إذا غادر حجرته الشّريفة إلى منبره الشّريف يقول: «الّلهم بممشاي إليك والسائلين عليك». فهذا أعظم خلق الله مقاماً، يتوسّل سيّد السّائلين مَن هو دونه، ويتوسّل صاحب الممشى بخطواته إلى الله، فما نحن من ذلك؟! ثانياً: زيارة الصالحين ماذا في القبر، المقام، الوليّ؟ «القبر»: قال حضرة المصطفى صلّى الّله عليه وعلى آله: «القبر أوّل منازل الآخرة، وروضة من رياض الجّنّة أو حفرة من حفر النّار». فزيارة مقام الولي أو مقام النبي هو زيارة روضة من رياض الجنّة. «المقام»: نتلمّس البركات منه، قال الله تعالى: «وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى». فالمكان الذي قام فيه سيّدنا إبراهيم تحلّ فيه البركة؛: «وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ»، «بَارَكْنَا حَوْلَهُ»، فالبركة تحلّ في الأشياء، والإنسان هو مجمع البركة الإلهيّة، فقد قال النّبي عليه الصّلاة والسّلام للكعبة: «إنّك أعظم بيت عند الله لكن دم المسلم أعظم منكِ حرمة». فزيارة المقام هو إلتماس للبركة. «الولي»: حيٌّ عند الله: { أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }. فالزيارة ليس اعتقاداً أنَّ الولي ينفع ويضرّ من دون الله، أو أنّه ربّ من دون الله، بل هذا قمّة التوحيد، إقرار بوحدانيّة الله وإفراده للمقامات من عباده، نزورهم زيارة حبّ لهم، حبّ لمن ولّاهم، حبّ لرسول الله، نشمّ عبق النّبي فيهم. يقول قيس بن الملوح: أمُرُّ عَلى الدِيارِ دِيارِ لَيلى ** أُقَبِّلَ ذا الجِدارَ وَذا الجِدارا وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفنَ قَلبي ** وَلَكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِيارا رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: «لا تبكوا على الدّين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله».