هذا ما صرّح به الشيخ الدكتور مازن الشريف مؤسس مشروع المنارة العالمية، وجاء عبر تصريح معزيّاً به نشره على الصفحات الخاصة به منذ أيام بتاريخ 3 يناير بما يلي : فقدت الأمة علما من أعلامها بفقد الشيخ السيد عبيد الله القادري الحسيني شيخ الطريقة القادرية العلية. تعازينا لكل مريديه ومحبيه، ولكل أهل التصوف في العالم. إنا لله وإنا إليه راجعون. فمن هو الشيخ عبيد الله القادري الحسيني؟ نسبه الشريف: هو العارف بالله السيد الشريف الشيخ عبيد الله القادري الحسيني شيخ سجادة الطريقة القادرية العلية ونقيب السادة الأشراف، ابن العارف بالله السيد الشيخ أحمد القادري الحسيني شيخ سجادة الطريقة القادرية العلية (نقيب السادة الأشراف بالجزيرة الفراتية)، ابن السيد الشيخ محمد القادري الباقري الداري، ابن السيد خلف، وصولاً للسيد الحسن الشج ابن السيد الإمام إسماعيل الأكبر (الأعرج) ، ابن السيد الإمام جعفر الصادق، ابن السيد الإمام محمد الباقر ، ابن السيد الإمام علي زين العابدين (السجاد) ، ابن السيد الإمام السبط الشهيد أبي عبد الله الحسين ، ابن سيدنا أمير المؤمنين أسد الله الغالب الإمام علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه، زوج الطاهرة النقية أم الآل سيدة نساء العالمين ونساء أهل الجنة السيدة البتول فاطمة الزهراء عليها من الله الرضا والسلام، بنت رسول رب العالمين وقائد الغر المحجلين سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين. ولادته ونشأته وزواجه وأولاده: ولد الشيخ عبيد الله القادري في بلدة عامودا، وذلك في سنة 1363 للهجرة الموافق لعام 1944 للميلاد، حيث نشأ وترعرع في هذه البلدة المباركة، في ظل أسرة كريمة عرفت بالالتزام بتعاليم الدين، تحت كنف والده العارف بالله الشيخ أحمد الأخضر القادري، وأخيه الأكبر الشيخ سيد محمد القادري، الذي يكبره بخمس وعشرين سنة، وأخيه الشيخ عبد القهار الذي يكبره بقرابة العشر سنوات، وبرعاية والدته السيدة الشريفة غزالة بنت العارف بالله السيد الشريف الشيخ عثمان. وكان والده الشيخ أحمد شديداً بتربية أبنائه، فكان يأخذهم بالشدة والعزائم منذ نعومة أظفارهم، ولقد ظهرت على الشيخ عبيد الله معالم الصلاح منذ نعومة أظفاره فكان والده يقول عنه: إنَّ ابني هذا سيكون له شأنٌ عظيم. وكان الشيخ عبيد لله منذ صغره يلازم مجلس والده، حتى أنه حدثنا أن والدته رحمها الله كان تحاول منعه من الخروج ليلاً لصغر سنه، فينتظر حتى تغيب عينها عنه فيخرج مسرعاً للتكية القادرية حيث مجلس والده، وما إن شب وقوي ساعده حتى بدأ يميل إلى العزلة والخلوة والانقطاع إلى الله في سبيل تزكية النفس، والتقرب من الله عز وجل، وهذا الأمر قد يستغربه البعض، غير أنك لو رأيت البيئة التي كان يعيش فيها وعاينتها كما عايناها سوف تجد أن هذا الامر طبيعي، فمجلس والده لا يخلو من الذكر والعلم ليل نهار، ولا يكاد يخلو وقت من السنة إلا وفيه من يمارس الخلوات والرياضات، ومن شدة عناية والده به عزم على تزويجه صغيراً مبكّراً، ولقد حدث الشيخ بهذا فقال: أرسل بطلبي والدي الشيخ أحمد فلبيت طلبه ودخلت إليه في حجرته وكانت معه والدتي السيدة غزالة رحمها الله تعالى، فأمرني بالجلوس فجلست بين يديه، فقال لي يا ولدي: إني أوشكت على تلبية نداء ربي ولن أكمل عامي هذا معكم، وإني عزمت على تزويجك قبل موتي، فقلت له أطال الله بعمرك يا والدي، فقال لي: لن أكمل عامي معكم ولقد عزمت على تزويجك، فقلت له الأمر لك كما تريد ولن أرفض لك أمراً، فقال لي: وهل ترضى باختياري لك؟ فقلت له نعم ولا أخرج عن أمرك، فتبسم وفرح، فاختار لي زوجة تكبرني باثني عشرة سنة، وهي ابنة السيد الشريف الشيخ ظاهر القادري الحسيني، وهو ابن الشيخ محمد الكالي القادري شيخ الشيخ أحمد ووالد زوجته السيدة كلثوم والدة الشيخ سيد محمد القادري، فقال الشيخ عبيد الله: فاعترضت أمي على اختيار والدي لأنها تكبرني بكثير، فنظر إلي والدي! فقلت له يا سيدي لن أرضى بغيرها زوجة ولن أختار على اختيارك، فزوجه من السيدة الشريفة رحمها الله تعالى، وهي أم أولاده السبعة وبناته الثلاث. ولقد شرفني الله تعالى وعاصرتها حقبة من الزمن فوالله كانت لنا خير أم وكانت للشيخ خير زوجة، وقليل أمثالها بين النساء رحمها الله تعالى، ثم تابع الشيخ مسيرة حياته بصحبة هذه الزوجة الصالحة التي أعانته على دينه ودنياه، ولطالما رأينا من بركتها علينا، فطعام الخلوة كله كان من إعدادها وطبخها وتجهيزها، ويشهد الله كانت علينا شفيقة رحيمة رؤوفة، رحمها الله تعالى وأسكنها فسيح جناته، آمين. ولقد أكرمه الله سبحانه وتعالى منها بسبعةٍ من الأولاد وثلاثٍ من البنات أَمَّا الأولاد فهم: السيد الشيخ هشام والسيد الشيخ الجنيد والسيد الشيخ معروف والسيد الشيخ عبد الواحد والسيد الشيخ أحمد والسيد الشيخ محمد والسيد الشيخ حسين، وكلهم والحمد لله يسيرون على نهج أبيهم وبين الحين والآخر يدخلون المجاهدات والرياضات يسعون في تزكية أولادهم، فهم على أحسن الأخلاق والتربية، كيف لا وهم أبناء هذا الرجل العظيم، أما البنات فكلهن من الصالحات التقيات العابدات، حفظهم الله تعالى أجمعين، وبارك بهم وبذريتهم. سلوكه ومجاهداته: بعد أن زوجه والده بدأ يحثه على المجاهدة والسلوك ويأخذه بأنواع الرياضات والخلوات، ولكن ما هي إلا شهور قليلة وانتقل والده الشيخ أحمد إلى الرفيق الأعلى، تاركاً وراءه نجله الشيخ عبيد الله وهو ابن الثانية عشر سنة، وكانت وفاة والده في عام 1954، ولكنه قبل وفاته أجازه بالطريقة القادرية إجازة شفهية، وأوكل تربيته وسلوكه وإجازته الخطية إلى أخيه العارف بالله الشيخ سيد محمد القادري، وبعد ذلك بفترة قصيرة حمل زاده وترك أهله وانقطع إلى الله أربعة عشر شهراً ثم عاد وقد ولد له السيد هشام، ثم بعد ذلك خرج إلى العراق قاصداً بغداد حيث مرقد معشوقه وحبيبه الشيخ عبد القادر الجيلاني ومكث هناك ستة أشهر وهو يجاهد نفسه في الحضرة القادرية المباركة، ثم رجع منها، وهكذا قضى حياته منذ عام 1960 حتى 1980 كلها قضاها مجاهداً نفسه في سبيل الله يسعى في تزكيتها وفي إرضاء ربه سبحانه وتعالى، وأكرمه الله سبحانه بأن دخل في المسجد النبوي خلوة داخل غرفة في جدار المسجد دامت ثمانية أشهر كان ورده فيها دلائل الخيرات، وهكذا كان كلما خرج من خلوة حتى يدخل الثانية، وإذا دخل الخلوة الأربعينية كان غذاؤه فيها كلها عشرَ تمرات فقط، وحدثنا إحدى المرات أنه ذهب إلى الصحراء قاصداً الانقطاع إلى الله في خلوة وأخذ معه رغيفاً واحداً وعاد بعد سبعين يوماً ومعه نصف الرغيف، ودخل بقية خلواته في رحاب التكية القادرية بعامودا، ودخل بعضها في قرية حطين التي كان يدخل بها والده الشيخ أحمد خلواته، وبقي يأخذ نفسه بالمجاهدة حتى فتح الله تعالى عليه بالفتوحات العظيمة، وأمده بالبركات والأسرار الشريفة، وبقي على هذه الحال من مجاهدة النفس حتى جلس على سجادة الإرشاد في الطريقة القادرية وأخذ الإجازة من أخيه وشيخه الشيخ محمد القادري خطية بيده وأكرمه الله وحج بيت الله الحرام ثمانية عشرة مرة، وكان قبل عام 1986 كلما يذهب إلى الحج يذهب في رمضان ويمكث في الحجاز حتى موسم الحج، ومنذ عام 1980 بدأ بنشر الطريقة القادرية وتصدر للإرشاد حتى أصبح من أعلام المرشدين الكاملين في زمانه، وقد أيده الله وأنعم عليه بإظهار الخوارق على يده، مؤيدة لنشر طريقته. تصدره للإرشاد والسجادة القادرية: لقد ذكر في ترجمة الشيخ محمد القادري الحسيني كيف أن الله سبحانه وتعالى ابتلاه بالمرض منذ عام 1956 ولازمه حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى في عام 2003، ومن أَجْل هذا سلم زمام الطريق ومشيخة السجادة القادرية لأخيه الشيخ عبيد الله القادري، وسلمه الإجازة القادرية كما أوصى بها والده، فتصدر بعده لسجادة الطريقة والإرشاد وتربية المريدين في عام 1980متابعاً مسيرة والده الشيخ أحمد القادري وأخيه الشيخ سيد محمد القادري، وكان في ذلك الوقت قد بلغ ستة وثلاثين عاماً. وبقيت التكية مفتوحة للقاصدين من كل مكان، وبدأ السالكون يقصدونه من كل مكان لتلقي الأوراد والأذكار وممارسة المجاهدات والخلوات، وكان منهجه كله مبنياً على المجاهدة قال تعالى:"وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ". وهكذا تصدر لخدمة الطريقة القادرية والإشراف عليها بدلاً من الشيخ محمد القادري رحمه الله تعالى، فكان نعم المرشد ونعم الدليل إلى الله، وراح ينشر الطريق في أنحاء سورية كلها وظهر على كل أقرانه وذاع صيته بين الناس فصار كالعلم في الطريقة القادرية، وكان لا ينقطع عن زيارة الحبيب الأعظم وزيارة سيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني بين الحين والآخر. جاهد نفسه أثناء الخلوات فلا ينام إلا غلبة ولا يأكل إلا فاقة ويسهر الليالي الطوال في المجاهدة والعبادة، وكان يربط شعره بحبل ويربطه بالسقف حتى ينبهه إذا نام دون إرادته، هذا ما عُلمَ عنه وما خفي أكثر بكثير من هذا. كما كان يدرب أبناءه على هذا المنهج وكذلك كل السالكين عنده ويكاد يكون من القلائل من مشايخ الطرق في سوريا ممّن يحافظ على الخلوات والمجاهدات والرياضات التي هي أصل الطريق . هذا هو بعض مما عرف عن الشيخ العارف عبيد الله القادري الحسيني الصوفي رحمه الله، وزادنا من علمه وفضله وتجربته دليلاً وبرهاناً ساطعاً على وجوب اتباع نهج الصالحين ومكابدتنا لأنفسنا بالصبر والتحمّل والرفد بالذكر والأوراد والخلوات والهجرة في درب وسبيل الله. *المصدر: الطريقة القادريّة العليّة الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ مخلف العلي القادري الحسني خادم الطريقة القادريّة العليّة ولمن أراد التوسّع والإطلاع أكثر حول منهج وفلسفة وطريقة الشيخ المذكور له ذلك باجتهاده والله الموفّق والمستعان.