من أبواب علم العرفان الأكبر، وهو علم معرفة الله. صفحة من علم أهل البيت عليهم السلام. وكلام عرفاني من وعن الإمام علي عليه السلام.
بسم الله الرحمان الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد الهادي المصطفى الأمين وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ورضي الله عن أصحابه المخلصين المخلصين، وسلام على أهل الله الصالحين في كل وقت وفي كل حين، حيثما كاموا وحيثما تنزلوا وسلام على جند الله الملائكة والرواحين، وسلام على آدم في الأولين وعلى المهدي في الآخرين. وبعد يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما نصه: إذا مر علي يوم لم أتعلم فيه علما يقربني إلى الله فلا بارك الله لي في ذلك اليوم، وهذا كلام محمدي عظيم ممن علمه ربه وأدبه ربه ولكنه قال له وقل ربي زدني علما، وستكون مؤانستنا الرمضانية لهذه النفحة من دروس الفتح المحمدي عن مسألة العلم وعن حقيقته ودوره وواجباته وشروطه وحدوده وسعته ومفهومه، فالعلم هو نظام من نظم الله سبحانه وتعالى، هذا في ما أبداه وأودعه في خلقه والعلم مكنون الله جل في علاه هذا فيما عنده، علم الله في ذات الله علم كامل مكنون أطلع الخلق على شيء قليل منه وأخفى ما أخفى منه، بل لا يكاد عقل مخلوق يقدر بل لا يقدر على أن يحيط بذلك، فالله يعلم كل شيء وأحاط بكل شيء علما والله سبحانه تعالى هو العليم وهو السميع وهو الخبير، أما ما أظهر لخلقه من ذلك فهي عوالم شاسعة واسعة، ما أعطى ملائكة عرشه ما أعطى جبرائيله ما علم أنبيائه ما علم خلقه ما علم الذرة وما علم المجرة، كل أعطاه علما ونظاما، فأما هذا العلم فله قواعد وأسس نتلمسها في القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى قال: (وأحصى كل شيء عددا) وقال: (وأحاط بكل شيء علما) وقال موسى:(علمها عند ربي لا يضل ربي ولا ينسى ) وقال:(وما كان ربك نسيا) لأن النسيان آفة العلم، فالله علمه محيط، وقولنا عنه شاسع واسع محيط تعبير لفظي لا يرقى إلى حقيقة الأمر، وأما إحاطة هذا العلم فهو أنه محاط عندنا بالحدية و بالإذنية أو الحدية و المشيئية، لقوله جل في علاه (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) فهذا يعني الحدية أي أن علم المخلوقين مهما اتسع محدود، وثانيها المشيئية (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) أي أن كل علم علم وتعلم وعلم وتعلمه متعلم إنما هو بمشيئة الله، لذلك قال (علم الإنسان ما لم يعلم)، وأقدس العلم عند الله في ما فرض على خلق الله العلم به، وثاني أقدس هذه العلوم العلم بمحبوبه وشاهد ذلك قوله جل في علاه (فاعلم أنه لا إله إلا الله) فهي دعوة للعلم دعوة لعلم المخلوق بالخالق والعابد بالمعبود والموجد بالموجد والمربوب بالرب هذه الدعوة تتطلب قنطرات أو سبل تمر بها إلى ذلك وأولها النظر في المخلوق حتى يعرف الخالق، وثانيها تدبر كتاب الخالق حتى يعرف الخالق وقبل ذلك طاعة الذين أرسلهم الخالق ربنا يقول (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم يتفكرون في خلق السماوات والأرض ويقولون ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك) إذا هذا التفكر يؤدي إلى معرفة الله، وعندما تتبع الرسول (الرحمان فاسأل به خبيرا) فالخبير يعرفك عن الله أما معرفة الحبيب المحبوب فعندما تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله يجب أن تعرف على من تشهد لأن حكم الشهادة أن الشهادة لا تقبل من جاهل ولا تقبل ممن لم يرى ولم يسمع ولا تقبل من منافق (إذا جاءك المنافقون وقالوا نشهد أنك رسول الله) الشهادة تتطلب معرفة بالمشهود له والمشهود عنه لمشاهدة ومعاينة، وإذا كان الحق أن المحال أن نعاين ذات الله، فالله جعلك تعاين تجليات صفاته في مخلوقاته، فدل تجلي الصفة على الموصوف ودلت المخلوقات على الخالق وهذا كلام في علم العرفان، فلما دل ذلك عن ذلك كان من نوره ومن سره ومن مدده ومن بركته أن الله بسط أسرار الأسماء والصفات في الخلق بمجال تجلي تلك الأسماء والصفات على المخلوقات فترى جبروت الله في بركان وترى سعة الله في بحر وترى رقة رحمة الله في ندى زهرة وترى عظيم حب الله في حب الأم لمولودها وترى بديع جمال الله في جمال طير وفي جمال ورد وحقل ومشهد، ودفع ذلك ورفع ذلك مقام المتفكرين على مقام العابدين لأن العابد إنما يوحي مقاله وحاله بالخضوع، أما المتفكر فيوحي حاله ومقاله بالمحبة، فالمحب متفكر بينما العابد فقط محدود، لذلك كان إبليس عابدا ولم يكن عاشقا وشاهد ذلك قول الحبيب تفكر ساعة خير من عبادة ألف سنة لأن التفكر يؤدي إلى التقدم في مرتبية العبادة، وأما دافع العلم أن الله جعل لك دائما طلب الاستزادة، وجعله لأعظم خلقه زيادة فقال له من باب تحقيق الاستفادة والإفادة، ومن باب تحقيق الريادة وتقوية الإرادة ونيل القيادة والسيادة وحسن كرم الوفادة وأن يكون ذلك عبادة وأن يصبح عادة وأن ينتقل إلى مقام الشهادة (وقل ربي زدني علما) فعندما نقول رب زدني علما فهذا يعني أننا نتكلم عن مقام عظيم من مقامات التجلية فهذا العلم الذي نتكلم فيه والذي نحاول أن نحيط بشيء منه إنما ليكون دعائنا إن شاء الله اللهم زدنا بك علما وزدنا منك علما، علمنا وعلم بنا، بصرنا وبصر بنا، فهمنا وفهم بنا، والفهم هو استبطان مكنون العلم والوصول إلى مخ العلم لأن العلم فيه قشرة وفيه قلب، مثلا عالم في الكونيات اليوم فيها مجرات وعنده حسابات رياضية في المجرة في الذرة في البيولوجيا ولكن لم يعرف الله لأنه عنده قشرة العلم، أما مخ العلم أن يرى الخالق من خلال المخلوق، فكمال العلم أن يصبح فهما، لأن هذه المجرة طالما أنها كانت غبارا ذري وطالما أن كل هذا الكون كان مفردة صغيرة جدا وطالما انفجر فتمت قوة غامضة قوة عظمى طالما أنها أبدأت فهي لم تبدأ، و طالما أنها أنشأت فهي لم تنشأ ، وطالما أنها أوجدت فهي لم يوجدها أحد، لأنه لا بد أن يكون هنالك سابق لكل لاحق ولا بد أن يكون هنالك منشأ لكل منشأ أما أن نقول فجأة كان هذا المكان لا شيء فجأة ظهرت الطاولة ثم تطورت الطاولة صارت كرسي ثم تنظم هذا الكون في هذا المشهد الذي نحن فيه من الكون هكذا عبث. لا تم قصدية هذا وضع تلك هناك لها تاريخية وضعها بيده ويعرف لماذا وضعها، أقيمت المقومات بالمقوم، و وضعت الموجودات بواضع، وجدت الأشياء بموجد، خلق هذا العالم بخالق، زين بمزين، جمل بمجمل، فعل بفاعل، لأنه لو كان الذي فعل فعل من فعل نفسه لابتدأ الفعل من قبل الفعل أي أن الكون كان سيكون موجود من قبل الأبد، ولو أوجد موجود ذاته لاستعلى على ما دونه في الوجود، أي لو أن الكون أوجد نفسه لما سمح بوجود بشر يفسدون في الطبيعة لو أن الطبيعة أوجدت كل شيء لما سمحت بالبشر أن يلوث الطبيعة، يقول الطبيعة أوجدت ثم يقول الإنسان سخر الطبيعة إذن الإنسان سخر الإله فتأله الإنسان وهذا باطل. يجب أن يكون الموجد أرفع وأعظم ويجب أن يكون الموجد لأشياء متفرقة متعددة مغايرا لها كلها إذ لو شابهه شيء منها لتأله معه فلا يكون شيء من خلق الله شبيها بالله، إذا خلق الزمان فهو بلا زمان، وإذا خلق المكان فهو بلا مكان، وإذا خلق الشكل فهو بلا شكل، وإذا خلق الجسم فهو بلا جسم، لأن المجسم الذي منح عينين منح الإبصار في أمامه و العمى في خلفه، والذي منح المكان وجد في محتو له أعظم منه، فلو أن الله كان جسما ينظر بعينين لكان عمى من خلفه وحاشاه، ولو أنه كان في السماء كما يقول أغبياء الوهابية لكانت المحتوية له أعظم منه، فهو ما دام فيها فهي تحيط به ، وكيف يكون العظيم في شيء وقد خلق كل شيء، بل أين كان قبل أن يخلق السماء؟ فهل كان قبلها بلا مأوى ثم أوى إلى شيء خلقه؟ فيكون إذ أوى إليه احتاجه فإذا احتاج محتاج إلى أمر فالمحتاج إليه أعظم ممن احتاج، أشد قيمة، أنا أحتاج إلى الطعام فوجودي مرتهن به ولو ندر الطعام أو انقطع صار وجوده أشد قيمة مني لأني اعتمدت عليه، أحتاج إلى الماء أحتاج إلى مال أحتاج إلى ذهب لما يصبح المحتاج إليه لزوميا يفقد الإنسان كل شيء فيبيع الإنسان نفسه لأجل المال، فلا يحتاج الله إلى شيء وهو الغني، ولا يسعه وهو العظيم، ولا يعجزه شيء وهو القوي. هذه الكلمات التي نقولها الآن هي استمداد مباشر حيني لحظي من علي ابن أبي طالب في علم العرفان، بسر روح تناجي روحه و بسر نور يحاكي نوره، لأن علي ابن أبي طالب كان من آكابر العارفين بالله، بل كان أعرفهم بعد الحبيب المصطفى. والإمام علي عليه السلام هو دال على الله بحاله ومقاله حتى قال الحبيب النظر في وجه علي إيمان، علي إذا نظر إليه ناظر ذكره بالله ،علي قرآن يمشي، وقال من يرد الله به خيرا يفقهه بالدين ألا وإن الله معط وأنا قاسم وعلي قصيم الجنة والنار، فمن مجال معرفة الذات إلى مجال معرفة علي قال له الحبيب يا علي تقاتل على تأويله كما قاتلت على تنزيله فقاتل علي في معركة التنزيه، فقادها لأن بني إسرائيل أدخلوا في الأمة التجسيم وأدخلوا أن الله على كيف وأن الله خلق الإنسان على شكله وحاشا الله أن سكون كذلك. كما وضع عن سيدي ومولاي عبد القادر الجيلاني المتجلي في التجلي أنه قال أن الله قد قال له أن الله خلق الملائكة من نور الإنسان وهذا باطل، ولكن صح عن عبد القادر أنه قال في مقام الفهوانية وتعني الفهوانية من فاه يفوه أي تكلم، وقد ظهرت الفهوانية خاصة بعد قتل الحلاج في القرن الثالث في بداية القرن الرابع سنة 309، بعد قتله أصيب الصوفية بصدمة، فادعى صاحبه الشبل الجنون وظهر النفاري فكان يقول إشارات تسمى المواقف والمخاطبات يقول استوقفني الله فقال لي فمن بينها إذا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة والتي أخذها أدونيس وشعراء القصيدة الجديدة القصيدة النثرية وفلاسفة وأشهروها كثيرا، ومن كرامات الشيخ عبد القادر أن الله يكلمه في المنام أو في التجلي فيقول له يا قطب الأعظم قل لأحبابك وأصحابك إذا أرادو صحبتي فعليهم بالفقر ثم الفقر ثم فقر الفقر فإذا تم لهم ذلك وفما تم إلا أنا كما قلت مرة في دعاء اللهم ملكني في كل شيء اللهم زهدني في كل شيء حتى أراك في كل شيء فهو فقر ثم فقر الفقر ثم فقر عن الفقر، أن يصبح الفقد والوجد عندك سواء، يسمى مقام الاستواء، هذا نعم فهذه المعاني التي طفنا فيها بين الإمام علي و وبين الشيخ عبد القادر وبين معرفة الله سبحانه وتعالى نعم الشيخ عبد القادر أيضا سلطان الأولياء قاتل على تنزيله قاتل على تأويله لأنه دافع عن التنزيل و أيضا عن التنزيه، وربما أول في علم العرفان لما كنت قد درست فيه من قبل وهذا العرفان النظري في معرفة الله سبحانه وتعالى يسمى علم الذات والصفات، وهو علم مكنون كان الإمام جعفر الصادق يخص به قلة قليلة من طلابه، وما علم الأشاعرة والماتوردية إلا شيء قليل أمام ذلك العلم الذي كان عند الصادق، وقد توارثناه توارثا، نرثه صدرا عن صدر ويرث غيرنا العلم سطرا عن سطر، فسندهم ميت عن ميت وسندنا حي من حي إلى الحي جل في علاه. علم الذات والصفات هو علم يستكنه كنهية ذات معجمة لا يمكن لأحد أن يعرف طبيعة الذات الإلاهية رغم استحالة معرفة طبيعة الذات، فمحال على مخلوق أن لا يدرك أن هنالك ذات إلاهية، فهو المجهول ذاتا والموقن بموجود ذاته فلا أحد منا يعرف كنهية ذات الله ومن تفكر في الذات هلك، وكذلك مجال الصفات والأسماء وتجلياتها ودرجات ذلك، فمثلا اسم الله الرحمان هو اسم ذات الله المتعلق بذاته، واسمه الله هو اسم ذاته الفرد يسمى الاسم الصمداني أما اسمه الرحمان فهو اسم ذاته المتعلق بذاته، أي لما شهدت الذات للذات بالربوبية، وشهد الله لله أنه هو الله، فشهد هو سبحانه عنه وقال عن ذاته لا أنا إنما قال هو، هذا كلام في علم الذات أما الرحيم فاسم ذاته المتعلق بخلقه، أي مقام الرحيمية استوجب وجود مخلوقات يرحمها، أما مقام الرحمانية فلا يحتاج، إلى أحد لذلك تأتي أسماء الرحمان غير محتاجة لنسبة، أو ينسب خلقا إليه فيكونون عباد الرحمان، فيقول (الرحمان علم القرآن) (الرحمان على العرش استوى) ( وعباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا ) أما الرحيم (إن الله بعباده لرؤوف رحيم )( بسم الله الرحمان الرحيم) وعندما نقول باسم الله الرحمان الرحيم في تفسير علم الذات والصفات فالباء أداة والنقطة سر الباء وكل شيء عند الله نقطة والاسم أول الكنه وأول ما يعرف منك اسمك والله أول الأسماء ورودا ووجودا والرحيم أعرف الأسماء بذاته والرحمان أول أسماء ذاته المتعلقة بذاته والرحيم أول أسماء ذاته المتعلقة بمخلوقاته فقد خلق الناس والخلق بالرحمة ابتدارا وابتداء، هذا علم العرفان النظري أنك تتكلم عن ذات الله سبحانه وتعالى وكيف أن لله أسماء ثم هذه الأسماء تجلى على الخلق فبعضهم متجلي عليه اسم الله الضار فهو ضار بالحتمية ولو أن نبتة يتجلى عليها اسم الضار فهي نبتة ضارة بالحتمية سامة وكذلك تجد في الأفعى سمها متجلي عليها في اسم الله الضار وترياقها متجلي عليه اسم الله النافع وشكلها متجلي عليه اسم الله البديع، وغير ذلك من الأسرار الكثيرة والعظيمة، هذا علم حول الأسماء والصفات وحول الذات هذا باب من علوم علي، ومن معارف علي التي طويت في صدره طيا أعطى منها الحسين وأورث الأولياء منها، ونرث من ذلك نصيبا . الحمد لله الذي علمنا والحمد لله الذي هدانا ونحن إن صمتنا عن العلوم العرفانية فنقول للذين يظنون أن المل صدر هو الذي أسس علم العرفان في القرن السابع في عهد الدولة الصفوية، أن مؤسسه هو عبد العزيز المهدوي التونسي المهدي من ولايتنا والذي أسس مجالس العرفان وأخذ عنه المرجع الأساسي للمل صدر وهو ابن عربي المهدوي وهذا من سر هذه البلاد والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد الأمين والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.