قدمنا إلى المملكة المغربية العلية المباركة، من بلاد الرافدين، محملين بالمحبة، وبسر الرابطة الروحية بين سيدنا الإمام علي وحفيده مولانا إدريس الأكبر. ومن المعلوم أن مولاي إدريس بعد نجاته من وقعة فخ وجد في المغرب ملاذا، فأسس دولة الأدارسة، ودرّس موطّأ الإمام مالك، ونشر المذهب السُّني السَّني. وكان أن قامت المدرسة المغاربية عموما على ما نص عليه متن العلامة ابن عاشر حين قال: في عقد الأشعري وفقه مالك وفي طريقة الجنيد السالك فكانت مدرسة قوية متميزة ظهر منها أقطاب علم وفقه وحديث وتزكية، من أمثال القاضي عياض صاحب كتاب الشفاء، والإمام الجزولي صاحب دلائل الخيرات، والشيخ عبد السلام بن مشيش، والإمام الشاذلي، والشيخ عبد العزيز الدباغ، وغيرهم كثير. وكان التعاون والتفاعل بينهم وبين علماء افريقية كبيرا، وكانت المدرسة الزيتونية وأعلامها أو مدرسة القيروان قبلها في تأثر وتأثير مع المدرسة المغربية، كما تكشفه مراسلات القاضي عياض والامام المازري، وكذلك الاهتمام بالمدونة المالكية التي جمعها الامام سحنون، وبرسالة ابن أبي زيد القيرواني. كما أن أعلاما كثرا من تونس أصولهم من الأشراف المغاربة مثل العلامة ابن عاشور. فهي مملكة قامت على حب النبي وآل بيته، فحكمها من الذرية الشريفة مولاي ادريس والأدارسة، ومولاي الشريف بن علي وأبناؤه خاصة السلطان مولاي اسماعيل، وهم من الأشراف العلويين الفيلاليين.. ومن الثابت تاريخيا أن مولاي الشريف (1589 - 1659)، والذي قدم من ينبع في الحجاز، هو جد الأسرة العلوية التي ملكت المغرب من بعده، وقد ولد عام 997 هـ كان وجيها ورئيسا وسيدا في قومه، بايعه أهل سجلماسة عام 1041 هـ. وهو من ذرية محمد النفس الزكية بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الامام الحسن بن علي. ومن الثابت كذلك أنه جد جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، وأنها ذات السلالة الشريفة التي حكمت منذ سنة 1631 الى اليوم.. وعليه فإن محبة آل البيت ثابتة، ومددها سار في ذرياتهم وما حباهم الله به من جاه وسلطان وتمكين. وهذه المحبة لا تنافر بينها وبين الانتماء للمدرسة السنية، وليست مما يشكك في أهلها، وقد صدع بها كبار علماء المدرسة المغاربية، ذاكرين الأئمة تفصيلا، لأنهم أئمة المسلمين كافة، مع تمسكهم بمدرستهم فقها وعقيدة وتزكية. وليس أدل على ذلك من قول العلامة السني والصوفي الكبير سيدي ابراهيم الرياحي الذي جمع له القضاء والافتاء ومشيخة الجامع الاعظم بما لم يكن لاحد قبله ولا بعده، يتوسل بهؤلاء السادة من ذرية النبي في قصيدة شهيرة له قال فيها ما نصه بالحرف:. إلهي قد سألتك بالنّبيِّ وفرعِ الطّهر بالحسن الوليِّ بمولانا الحسين ومن قد أضحى شهيدا من يد الشمر الشقيِّ بزين العابدين ومن تسمّى عليّا وهو ذو القدر العليِّ بمن بقر العلوم وكان فردا محمد الذكيّ ابن الذكيّ بصادقنا المسمّى في البرايا بجعفرنا أخ السرّ الجليِّ بموسى الكاظم الشهم الذي قد سمى في الخلق بالخُلُق السنيِّ بمن في طوس قد أضحى دفينا أبي الحسن الملقّب بالرضيّ بمن قد فاق في أدب وعلم محمّد الملقّب بالتقيّ بذاك السيد الهادي عليّ حميد الفعل ذي العرض النقيّ بمولى الفضل بالحسن المسمّى بسلطان الكرام العسكريِّ بخاتم أولياء الله جمعا بمهدي الزمان الهاشميِّ أدم لي حب أهل البيت حتى أموت عليه بالعهد الوفيِّ (١) فها أنت ترى إماما من أئمة السنة يتوسل يالأئمة لعلمه ويقينه أنهم ليسوا حكرا على مذهب دون آخر. وكذلك يقول تلميذه العلامة والوزير والمؤرخ أحمد بن أبي الضياف: (وأهل إفريقية يدينون بحب علي وآله، يستوي في ذلك عالمهم وجاهلهم، جِبلّة في طباعهم، حتى أن نسوانهم عند طلق الولادة ينادون: “يا محمد يا علي”، وكان الإمام الشاذلي رضي الله عنه يقول لأصحابه: “إذا اشتد عليكم كرب فقولوا: “يا محمد يا علي”. وقوة المحبة لآل البيت مع الاعتراف بالفضل والمحبة لغيرهم ليس من الرفض في شيء، والله يقول: “قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى. ولا يخلو مسلم من هذا الحب، ورحم الله الإمام الشافعي إذ يقول: إن كان رفضا حب آل محمد** فليشهد الثقلان أنّي رافضي)(٢) وهذا مشترك لدى عموم المغاربة في حبهم لال بيت نبيهم كما امرهم ربهم ورسولهم. ولذلك من ظن الامر دخيلا فعليه ان يراجع جيدا، ومن حسب اننا بكلامنا عن الأئمة ومحبتنا لال بيت النبي ننشر التشيع بمعناه المذهبي او السياسي فهو لا يعلم حقيقة نهجنا المتصل بسندنا ومدرستنا المغاربية عموما. فنحن نؤمن ونعلم يقينا أن مدرستنا السنية جامعة بين حب النبي وآل بيته، وبين خصوصياتها فقها وعقيدة وتزكية، ونحن نفتخر بكل ذلك، ونعمل على خدمته، كما عملنا من قبل، باعتزاز كبير، وعن دراية وتدقيق، دون مواربة ولا مخادعة، وكل شيء ننشره ونعممه. وكل محاضراتنا ودروسنا إنما نخدم بها الاسلام المحمدي، دون تفريط ولا تفويت في مدرستنا المغاربية العظيمة والثرية والمتميزة.. مع حبنا للأوطان، وحرصنا على بث العلم النافع حيث حللنا.. وكفى بذلك شرفا. والحمد لله رب العالمين. (١) (قالها سنة 1233 ه/1817 م من كتاب سيدي ابراهيم الرياحي للكاتب أحمد الشريف، صفحة 227، وكتاب تعطير النواحي بمناقب سيدي إبراهيم الرياحي ص 72. (كتاب إتحاف أهل الزمان في أخبار ملوك تونس وعهد الأمان المجلد الأول ص 121 طبعة الدار العربية للكتاب سنة 2016 تحقيق لجنة من وزارة الثقافة والمحافظة على التراث.). * الصورة للواء الاسرة العلوية: اعتمد اللواء الأخضر ذو نجمة الصفراء كعلم للأسرة العلوية الحاكمة من قِبل السلطان يوسف بن الحسن تمييزا عن علم الدولة الوطنية. يدل اللون الأخضر في العرف الصوفي على آل البيت. (عن ويكيبيديا).
