من الليالي المباركة لرمضان 1446 :معاني الفاتحة من كتابه، الفاتحة في أحكام الفاتحة، للشيخ الدكتور مازن الشريف : الحمد لله الذي زكى ورقى وعلم ولقى وجعل عبادا يرون في حبه المراقي ويتسابقون في معارج العشاق، وصلاتهم على براق الاشتياق الى تلك المراقي ولفت لديهم الساق بالساق وقيل من راق وطاب لهم المقام في ذاك المساق وبُسروا بالمساق في كف الساقي.
سبحان الحي الواحد الباقي، سبحان الذي نزل محبته في الأعماق واسكن دمع الأنس به في الأحداق، سبحان الحي القيوم الباقي، وصل اللهم على إمام العاشقين وقِبلة المتقين وسيد الواثقين وعماد أهل اليقين سيدنا محمد وعلى ال بيته الطيبين الطاهرين الغر الميامين، وارضى اللهم عن أصحابه وسلام على أحبابه الواقفين بجَنابه المؤمنين بكتابه الراغبين في نواله ومثَابه، الباكين على بلائه ومصابه الذي آمنوا به من بطش الله وشديد عقابه ومؤلم عذابه.
اللهم صل عليه ما نزل مزن من سحابة، وثاب عبد الى صوابه، وأبى الى مآبه، وقبل تائب في متَابه، اللهم صل عليه وانت اعلم به وما به، اللهم صل على من به حُلية الدنيا وزُينت الآخرة وزُخرفت الجنة إِمام القرآن والسنة، الذي عطائه جزل بلا منّة الذي به شرفنا وبحضرته كنا وفي حضنه سكننا به سلكنا وبه ملكنا وبه نجون فما هلكنا. اللهم صل على امام اهلك من سريت به على مهلك، من عصيانه مُهلك الذي به سلك السالك وفي معصيته هلك الهالك، امام جبريل وإسرافيل وميكائيل وعزرائيل ورضوان ومالك، وسلام على أئمتنا واسيادنا أشياخنا وعلى أحبابنا اجمعين.
أيها الأحباب هذا المشهد الذي نقف فيه الان، سنقف مع الفاتحة ضمن كتاب من كتبنا أسميناه الفاتحة في أحكام الفاتحة، فبدار هذه الفاتحه بسم الله الرحمن الرحيم، قال الامام علي: أنا النقطة التي تحت الباء، فكان الكتاب مستهله هذه النفحة العلوية.
فنقول بحمد الله ان الباء قوام معناها النقطة فلو رفعت كانت نونا، ولو ثنيت كانت تاءا ولو نزلت فثنيت كانت ياءا، وهذه النقطة التي تحت الباء ترمز الى أنّ كل شيء خلقه الله نقطة في ملكوته، ﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ﴾ ﴿أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ﴾ ﴿ مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾، الزمان على امتداده نقطة، والمكان على شساعته نقطة ونقطة، وكذلك الاكوان والملكوتات والابد نفسه عند الله نقطة، لايظن ظان ان ازليتنا وابديتنا تماهي وتحاكي ابدية الله، انما كلٌ له معنى، فالله احاط بالزمان في اواخره وأحاط بما خلف الزمان ولذلك خاب من ظن ان الله يحويه مكان او يطويه زمان، والله سبحانه وتعالى خلق الازمنة ولم يكن فيها وخلق الامكن فلم تحتويه فتعالى ربنا عن زمان يطويه ومكان يحويه وعن نظير او مثيل او شبيه او شيء من خلقه يحل فيه، قوام العقيد. فهذه النقطة التي تحت الباء نقطة المعنى والإيمان بالله هو المعنى، واليقين بالله عبادته هي جوهر هذا المعنى، ومستهل كل شيء أن يكون نقطة نقطة الجنين في بطن أمه نقطة الذرة الأولى الهباءة التي كان منها كل شيء بعد انفجارها وتعددها كما يذكر علماء هذا الشأن أو كما يظنون. نقطة تطوى فيها حياة الإنسان كأن لم يكن، نقطة يودع فيها في قبر من الارض، نقطة يعيش فيها، نقاط يتحرك داخلها وما هو الا نقاط مجمعه فيه، نقاط الخلية نقاط الفكر.. كلها نقاط، فهذه النقطة التي تحت الباء هي مستهل هي باب نحو معرفة المعنى. واما الباء فهي مستهل هذه البسملة وترمز الى الوسيلة، كما أن النقطة وسيلة لنميز الحرف إذا كان باءًا أو "نون والقلم وما يسطرون" او "كهيعص" او "يس" هذه التنْقيطات التي كانت في زمن مخفية ثم صارت مبدية، كما أنها مستهل المعنى فإن الباء هذه وسيلة للمعنى فإن هذه الباء وسيلة لمعرفة المعنى، وسيلة لمعرفة الوظيفة، (كتبت بالقلم أكلت بيدي ضرب بالسيف)، فلا تعني فقط بِدار الجملة بل بدار الوسيلة ولا تعني فقط جرا بنيويا بل جر معنوي، إذ كل شيء يُجر نحو اسم الله، فاسم الله سبحانه وتعالى هو مستهل الأسماء ﴿اقرأ باسم ربك﴾ مستهل القراءة والوحي كل ما ذكر عليه اسم الله، ان يكون مستهل المؤمن في كل شيء بسمله بالله سبحانه وتعالى. فالباء بداي وسيلة، والاسم اول الكُنه اول ما اعرف الاسم لذلك عُلم آدم أوائل الكُنهيات ولم يعلم بواطنها فماذا عُلم؟ عُلم الأسماء، لما تاب الله عليه تلقى الكلمات، لأن الكلمة عُمق الكُنه، أما الاسم فأوله، اول ما اعرف اسمك، لكن الاسم قد لا يحمل صفة المسمى، وربما سمي بالاسم الزكي من لم يكن كذلك، قد يحمل اسم محمد من ليس فيه من سر اسم محمد، وقد يحمل من ذلك الاسم سر من ذلك الاسم، فالاسم باء "بسم الله" اسم الله هو المستهل في كل خير،أما الله سبحانه وتعالى فهو اول أسماء الذات، هو الله الواحد الاحد الفرد الصمد الخالق. ألف ترمز للإستيواء، همزته مخفية استواء مخفي، لام تدل على الشمول، ولام تدل على الاحتواء فيها لام ملتصقة بها تدل على احتواء الظاهر والباطل، الغيب والشهادة على ذلك شَّدة فيها شِدته قوته ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ فيها هاء التخلل واللطف ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ﴾ هذه الهاء العظيمة التي حتى في رسمها تخلل.
فأما "الرحمن" فهو اول اسماء ذات الله المتعلقة بالذات، اي انه الرحمن امدا وابدا، الرحمن قبل الخلق وبعد الخلق، فليس اسم الرحمن بمستوجب لوجود مرحوم، انما كل ما هو منسوب اليه الى الرحمن ممن إختص قال ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا﴾ فهو في ذاته الرحمان ﴿الرحمن علم القرآن﴾. اما الرحيم: فهو اسمه ذاته المتعلق بخلقه، لأن الرحيمية مستوجبة لوجود خلق، مثل النفع والضر والاحياء والاماتة، أما الحي غير مستوجب لذلك فهو الحي، ولكن لما خلق سار "محي" لما خلق، الله سبحانه وتعالى صار ينفع ويضر من تفعيل الأسماء ليس من إيجادها، ثم فرق هذا يسمى علم الذات والصفات، ولذلك يقول الله ﴿رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ لم يقل رحمان واعطاه لسيدنا النبي وقال ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ لم يقل رحمان لأن مقام الرحمانية مقام فردانية الإلهية، ومقام الرحيمية مقام رحمة الربوبية وكلاهما من تجليات الألوهية. فهو الرحمن فردا سبحانه وتعالى صمد أحد، والأحد غير الواحد لأن الواحد هو الذي يُثنى ويكسر ويجمع ويضاعف ويقسم، اما الاحد فلا يقبل شيئا من ذلك. فهو احد واحد سبحانه وتعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ما الفرق بين الحمد والشكر. ★فاما الشكر فهو شكر المعطي بعد العطية إن شكرتم لازيدنكم اعملوا ال داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور بعد العطية. ★أما الحمد فهو شكر المعطي على العطية باخذها او منعها او فقدها، اذا اعطى محمود وإذا أخذ محمود واذا منع محمود وهذا لواء الحمد، فكان سيد الحامدين في البأساء والضراء والسراء سيدنا محمد أعظم من امتحن اكثر من أبتلي، وكان من الحامدين. مستهل الحمد في "الحمد لله رب العالمين" فيه انواع كثيره عددنا منها 70 حمدية، من بينها حمديات الابدية ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، هناك حمد جبروتي ﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ 70 تجلي للحمد ولي كتاب اسمه كتاب الحمد جليت فيه من المحامد التي القاها ربي علي لانني لا اكرر حمدية ابدا، كل حمدية تكون حديث عهد برب العالمين. الحمد لله: واللام هنا تعني الشمول الذي لا يُحصيه عاقل ولا يحيط به ناقل، الحمد لله بمحامده التي هي له، التي نعرف قليلا منها ولا نحصيها. لذلك قال ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ قال "نعمة" ولم يقل "نعم" لان النعمة الواحدة في تصريفها فيها ما لا يحصى فكيف بالنعم لان النعمه الواحدة يجعل لك الله فيها الاف الاشياء، نعمه البصر انظر كم نعمة في البصر، نعمة الحياة نعمة الوجود.
نعمة الوجود، نعمة الشهود، ونعمة معرفة المعبود انا عددت النعم فبينت ثلاث نعم كبرى: قلت أعظم النعم نعمة الوجود ثم نعمة الشهود تم نعمة معرفة المعبود. ★فاما نعمة الوجود فالله خلقك وتلك نعمة عظيمة، ابداك من عالم المحو الى عالم الصحو، ابداك من عالم كنت فيهكلمة الى عالم كنت فيه روحا، ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ عالما كنت فيه روحا ثم رُكبت في بدن ثم اسهدت الست بربكم ثم بعد ذلك حللت في طينة الاجساد ثم تخرج من طينة الاجساد الى عالم الارواح فتبقي الجسد منتظرا ثم تحل في الجيد بعد ان تغير ليلائم الابدية فيكون وجه ابيض وقد كان من قبل اسود، واخر يحشر ازرق اسود وقد كان ربما من قبل ابيض ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ ﴿وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا﴾
★ثاني نعمة: نعمة الشهود فليس كل موجود بشاهد، فبعض الموجودين لم يشهدوا بِشهودنا، لا يشهد الحجر على الوجود كما تشهده أنت بعينيك وليست عينك الشاهدة كعين بعض الحيوان الذي يراك طيفا وبعضه يراك اشعة وبعضه يراك موجات صوتية، وبعضه يراك بالسونار، كائن البحر غير كاين البر، الذي يرى في الظلام غير الذي يرى في النور وغير ذلك.. من عين الافعى الى عين البومة إلى عين الذئب إلى عين السمكة إلى عين الحوت الذي يرى بطريقة اخرى الى عين العنكبوت التي ترى ب 300 عين عين الذبابة التي ترى تباطئ الزمان، فتراه انت سريعا وتراه هيا بطيئا، إلى عيون الخلايا التي فيك الى عين عين قلبك، إلى عين عين عقلك، الى عين عين روحك، الى تعيينات العيون التي أوجدها الله فيك وهي شاهد من بين ذلك أن الجلد له عين وله لسان ويوم القيامة ينطق ﴿قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ الى عين الكاميرا التي تصور ولا نفهم كيف كان ذلك إلى غيره… فنعمة الشهود نعمة عظيمة ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ﴾ هذه شهود، من اول من شهد الله لذاته، وهذه اللحظة الشهودية التي شهد الله فيها لذاته كان فيها قرار الخلق، لأنه لما شهد لذاته بالجلال والحمال والكمال وقف الله عاشقا لذاته محبا لذاته مادحا لذاته فقال لأخلقن خلقا يمدحونني فيشهدون جمالي وجلالي وكمالي. فكان أول ما خلق سيدنا محمد روحا الذي قال: كنت نبيا وآدم منجدل بين الماء والطين وقيل في القرآن ﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ فأتى بألف الاستواء في "أحد" وحاء الاحتواء ودال الديمومة فأدمج فيها ميم الماء الأزلي الذي كان عليه عرسه الذي يعني الحياة ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ فلما أفرادها بين ألف الاستواء وحاء الاحتواء ودال الديمومة كانت احمد فتحامدا فكان أول من حمد من خلق الله أحمد وكان أول من حمد الله بمعرفة الله من عند الله احمد فكان من ذلك لواء الحمد
ثم لما أذن للزمان ان يُشرق بأنوار مولده البهي وطلعته السنية بعد اسراه في خيار من خيار من خيار، بعد أن اجتبى له آدم ونوح وإبراهيم من إبراهيم اجتبى اسماعيل الى عدنان الى هاشم الى آبائه إلى أبيه عبد الله وأمه آمنة، نحن الألف في بطن أمه ميما وصمت في ذلك البطن المطهر. ثم جاءت الحاء تحمل الاعلى الى الادنى، المعجزات والانوار والقرآن الى الدنيا، ثم حلت ميمان قد دغِمتا ودُمجتا دمجا، مولده ومَماته، ومبعثه مسراه معراجه مكّته ومدينته، ثم جعل الله على ذلك الاسم الذي لقاه إلى عبد المطلب عن إسماعيل، جعل على تلك الميمين شدة والشدة شدة وجعل على السدة فتحة، والفتحة فتح مبين، ثم جاء بدال ديمومة سره ورفعة امره وشرح صدره، وابطال بدره، رفع من تلك الدال من الظلمات الى النور، ومن الجهل إلى الإسلام ثم جعل عليها سكون محمدْ لسُكون السر لديه أو جعل ضمتان محمدٌ إذا جمعت الصمة الاولى بالتي في الدال والميم في الاول كان ثلاث ضمات التي ضمها له جبريل، ضُم جلال وضم كمال وضم جمالا، ضم نيابة عن ربه وضم نيابة عن ملائكة حِبه وضم نيابة عن أحمده الذي فيه والذي سرى فقال زملوني دثروني، حين استيقظت الروح في الجسد.
★ثم نعمة معرفة المعبود: نعمة عظيمة، ثمة من يظن أن الله بقر وثمة من ظن ان خالقه نار وثمة من حسب أنه طوطم وكلهم خلقهم وأشهدهم قبل هذه الدنيا "ألست بربكم قالوا بلى" ولكن انساهم . لعلهم يقفون يوم القيامة يجادلون في حقهم، لما يارب انسيتنا، نحن بنينا كل هذه التماثيل لرب مزعوم فكيف لو عرفناك انت. نعمة معرفة المعبود، ثم حتى من يشهد أن لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ولكنه لا يُقر لله بما له، أي لا ينزِهه سبحانه فيقول له يد كما لنا يد وله رجل كما للبعير الى غير ذلك….من شبه الخالق بالمخلوق فقد جهله، ومن حدّ الله فقد جهله ومن جعله في حد من حدوده فقد جهله.
فقلنا الحمد لله فيها علم التوحيد، وفيها علم الحمد، وفيها سر علم لا إله إلا الله لا اله الا هو ولا اله الا انت. فان القوم لما تملوا في الوجود راوا ان له خالقا فنَّفو سواه واثبَتوها لله، فقالوا لا اله الا الله بالتأمل في الوجودات. ولما نظروا وراوا من تجليات جماله عليهم وهم في قلب البلاء، تعال معي الى سيدنا يونس: ليلٌ المظلم بحر مظلم بطن حوت مظلم بلاء مظلم غم مظلم شعور بالذنب مظلم، ظلمة النفس وظلمة القلب وظلمة الروح، فتجلى عليه الحي السبوح فقال لا إله إلا أنت. اذا المقام الاول لا اله الا الله المقام الثاني مقام الشهود لا اله الا انت، فلما رجع القوم يحدثون عن ربهم قالوا لا إله إلا هو، لذلك من أذكار التصوف (هو) لا اله الا هو. الحمد لله رب العالمين الرب: هو الحر في مواقيت وموازين خلقه، الراء تعني الحرية، تعني الباء الموازين، لذلك الراء عندما تكون فيها الحرية وتكون الياء تعني الامتداد والتخلل وتكون الحاء اللطف وفيها سر تأتي ريح فإذا جاءت الواو التي تعني الانعتاق والاندماج تكون روحا وما عملوا الحروف والنقاط هكذا، الرحيم باب دخله إبليس بنقط حسد في قلبي صارت رجيما، ودخل من باب العطاء فحلت نقطة الحسد والكبر في عين العين فماذا حدث غطاء، وسرى في النور فغلب عليه الزور، وسرى بالسر فغلب عليه الشر وسرى بالحب فصارت حربا، وسرى من سر الى سحر وحاء الحرمة حلت بينهما، هذا علم كبير في الحروف ليس عبثيا فهي لغة القرآن. رب العالمين، والعالمين هنا ايها الاحباب غير العوالم لأن العوالم ما يفصل بينها نوع او مسافة، تقول عالم الانس، عالم الحيوان، عالم الارض وعالم المشتري بينها فواصل، اما العالمين فهي عوالم مندغمة في بعضها، ﴿أَوَلَيْسَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم ۚ بَلَىٰ﴾ في نفس العالم الذي نحن فيه الان مثلا هذا عالمين بمعنى: نحن في مجلسنا اذا كنا نؤمن بالغيب او نأخذ حتى بعلوم الفيزياء عين لا ترى جميع الاشعة التي تسري هنا، هناك هيولات واسعة لا تراها العين ابدا، لو اتينا بجهاز تلفاز لاوجدنا قنوات تمر بنا وتبث، تمر بنا هذا عالمين، هذا هذا المجلس عليه من القران وجودات غير وجودنا هذا، اولها رقيب وعتيد يدون مل لفظ، ثم معقبات، ثم شياطين وجن ﴿اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ}، هل هذه الوجودات تتَراس في نفس البعد؟ لا، لا تتزاحم يسري الملك في عالمنا فيجده طيفا، ويسري الجن فيه فيجدهم طيفا، ويرى الاعلى الادنى، فالادنى لا يراه، يرى الجن الإنس والإنس لا يراه إلا المخصوصين ويرى الشيطان الجن والجن لا يراه، ويرى الملائكة الشياطين والجن والإنس وهم لا يرونهم، ويرى جبريل من هو تحته مقاما والآخر قبل لا يرى. وترى روح النبي المحيطة بنا كلنا ولانراها، ويرى الله الكل ولا يرونه، هذه العالمين فهو اقرب إادلينا من حبل الوريد. العالمين قيها ادماجات مكانية وادماجات زمانية، بمعنى يمكن ان انتقل من نقطه الف الى نقطة باء دون سرعة ودون وقت ودون جاذبية تمسكني وقوة احتاجها. عفريت الجن قال اتيك به قبل ان تقوم من مقامك، احتاج قوة وسرعة، قوي امين. اما جالب العرش فلم يحتج لشيء من ذلك فاستعمل سر العالم فطوى له المكان،وكذلك الزمان يسري فسر الزمان على حمار العزير كما هو وبُطئ إحساسه به إلى ليلة وبعض يوم، وكذلك بطئ احساس أهل الكهف وبطِأت خلاياهم فلو انّ لحاهم نمت على 300 سنة لكانت كيلومترات، لكن بُطىء النشاط الخلوي حتى شعروا انهم ناموا ليلة. أما الطعام فلم يتسنه اي سار الزمن حوله ولم يسري عليه، وهذا من قواعد العالمين ايضا، كذلك إذا كان طعام العُزير لم يتسنى اي بقي صفر، كيف بجسد النبي عليه الصلاة والسلام لا يتسنه، أجساد الأولياء لا تتسنه، حب النبي لم يتسنه. الان صوت رسول الله في المدينة وهو يُلقي الدروس لم يتسنه، لو عندك جهاز يستطيع أن يدخل في تلك الأبعاد كأن النبي قائم الآن. لذالك الله لما يأتي يوم القيامة بهذه الاسرار ﴿إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ﴾ لو ان قاتلا يقتل مقتولا ياتي الله بالسكين تقطر دما فكأنما قتله الآن، من عظيم قدرته سبحانه وتعالى، عظم الله جل في علاه. فالحمد لله رب العالمين الحمد لله المتحكم في العالمين الذي جعل العصا حية، واجعل مخلوقا من تراب جعل له انثى من جسمه وجعل مخلوقا بلا اب سماه عيسى وجعل نار إبراهيم بردا وسلاما، الذي جعل طعام العزير لم يتينه واَحيى لعيسى الموتى، الذي يحيي الأحياء ويميت الأموات، ويفعل في خلقه ما يشاء، الذي جعل المحيط الأعظم سيدنا محمد يحتوي في بطن أمه وهذه من الاعاجيب، لانك لو جئت بمحيط تضعه في قارورة لاستحال عليك، فكيف بهذه الذات الأعظم الذي ما وقف بجوار سماء الا وكان أعظم منها، اعظم الخلق أعظمهم مقاما وأعظمهم حجما في تحاجُم الأرواح وأعظمهم سرا اذا كان جبريل قد مد بين المشرقين والمغربين ثم دنى فتدلى وهو قاب قوسين او أدْنى فكيف الذي صعد الى مالا يطيقه جبريل بنفسه، هذه عظمة حجم عظمة سر. فكيف صار رضيعا وكيف صار مضغة فعلقة هذا من اعجاز الله يفعل ما يشاء ويديرها كما أراد. وكذلك نطقنا الآن عن إرث له، عن كلام لم نفكر فيه، عن برقية أرسلها من صدره الشريف الى صدر حفيده ينوب عنه، ينطق أولاد فاطمة عنها وينوب أحفاد علي عنه وينطق أحفاد الحسنين بسر الحسنين، وكذلك للأولياء صولة وجولة في قلوب عشاقهم، تجد للرفاعي نوبة وللْجيلاني نوبة وللشيخ الحداد، والشاذلي والبدوي والدسوقي والجشتي وصَاحب مرباط، فالكلام في ظاهره نطق ناطقه وعلى وجه الحقيقة ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا﴾ كلام حديث عهد برب العالمين كما بين العز بن عبد السلام بعد لقائه بأبي الحسن الشاذلي.
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم لماذا أعادها؟ لأن هذا الوجود لو لم يكن منوطا بالرحمة لأزاله منذ أول ذنب اقترفه مذنب، لأن الله شديد العقاب لأن الله لو لم يكن رحمانا رحيما ما بقي في هذا العالم من شيء، ما ترك على ظهرها من دابة، انما الله سبحانه وتعالى رحمان عندما خلق ونزل القرآن، ورحيم عندما لطف بهذا الانسان، وأحاط بذنبه فأخذه برحمانيته فأدبه، فصار من عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا، وألقى فيه الرحيمية فأدب به سواه، فكان النبي بالمؤمنين رؤوف رحيم، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين﴾ ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُم ﴾ ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ﴾ وسعت كل شيء الرحمة، ملائكة عرشه الأعلم به كلموهم من باب الرحمة لا من باب النقمة، وسعت كل شيء رحمة فاغفر، وكذلك عيسى لما قال إن تعذبهم فإنهم عبادك، ثم جعل باب الغفران هو الأولى. الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين اوْ مالك يوم الدين: فأما الملك: تبارك الذي بيده الملك، وأما المالك فهو الذي لديه حق على ما يملك دائم، فأما المُلك والمَلك فهو الذي يدير شؤون ملكه، واما المَالك فهو صاحب الحق المستمر في من يملك، فهو من حيث انه مالكك لديه عليك الحق الدائم هذا يستوي فيه جبريل وإبليس فهذا مالك له بالرحمانية وذلك مالك له بالقهر، ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ فهو مالك لذلك سمى الذي يسيطر على الناس في جهنم بمالك فنادوا يا مالك لأنه متحكم فيهم وهم فيها. أما من هم في الجنة فهو رضوان لأنه يأتي من باب الترضية، ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ﴾ فأهل الجنة يعيشون في عين الرضوان لهم ما يشاؤون عند ربهم، وأهل النار يعيشون تحت المالك فهم مقهورون فيما هم فيه، والأسماء ليست مختارة عبثا. يوم الدين: اليوم هو مجمع من الساعات وهذا اليوم مختار فيه معناه، لأن يوما عند الله 1000 ويوم ب50,000 ويوم مقداره مليار سنة، ولذلك لما عددنا خلق السماوات هذه السماء الدنيا مره ذكر 6 ايام مرة ذكر مفاده 8 واحتار المفسرون فلو جمعنا بين 6 و 8 لوجدنا 14 وقد أجمع علماء الكونيات ان عمر الكون 14 مليار عام، فيكون اليوم مقداره مليار فيوم الخلق مقداره مليار، ويوم العروج له معنى فلكل يوم معنى والزمن مقادير، فيوم بألف ويوم بخمسين الف ويوم بكل هذا الوجود. مالك او ملك يوم الدين والدين ها هنا هو إظهار الحق بعد غمس الباطل فيه، فلذلك يوم الدين له مجالي من بينها فتح مكة فهو يوم الدين، ظهور قائم ال محمد يوم ينادي المنادي من مكان قريب، وكذلك يوم يدان الخلق إلى ربهم هو يوم دين هو يوم القيامة الذي يقوم فيه الخلق لرب العالمين.
باب العبادة والاستكانة، وباب المدد والاستعانة الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد، إياك هو ما يسمى بوجهة الوجود او بِغاية الوجود أي أن هذا الوجود له غاية منصوصة مقصودة، حُدت في بابين: ★باب عبادة: أن يكون كل عمل لك يُقصد به وجه الله فهو عبادة. ★باب استعانة: فيه إقرار بضعفك كمَخلوق وفيه إقرار بقدرته كخالق، فلا يصح وجه دون اخر فلو أنك ظننت ان الله قادر وانك قادر تحديت بقدرتك قدرته فتقول إن الله يرزق وانا أرزق، الله يحيي ويميت قال أنا أحيي، فهذا خطأ إنما أنت قادر من تحت قدرة القادر نعم، أنت غني من تحت غنى المغني نعم، أنت مستطيع من خلف من وهب الإستطاعة نعم، لذلك كان من أدعيتي لربي: اللهم إنك تُظهر لي كل يوم كم أنت خالق عظيم، وأظهر لك كل يوم كم انا مخلوق وضيع، فتجلى بعظمتك على وَضاعتي لأكون عظيما وتجلى بهدايتك على ضلالي لأَكون مهتديا، وتجلى بغناك على فقري لأَكون مغْتنيا، أنا الضعيف لربي القوي بربي، وربي القوي، أنا الفقير لرَبي الغني بربي وَربي الغني" هذه من الأدعية التي ندعو بها. إياك نعبد أفرادا وتوحيدا لوجهك الكريم، أي أننا في الحقيقة لا نعبد شهواتنا ولا زوجاتنا ولا مالا ولا وزخرفا، وان أماله القلب عن وجه المحبوب فيه عبادة ما دون المحبوب، فإن من أمال عين قلبه عن النظر لوجه الله إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى إنما عبد من دونهم من باب العبادة الخفية التي لا يطلع عليها ولا يعرفها، لأن حسنات الذين هم دون المقام هي ذنوب عند أصحاب المقام. لذلك الله أقام حبيبه محمد مع قوم يدعونه بالغداة والعشي يريدون وجهه أي أن يكون المحبوب هو عين المطلوب، لو أن الغاية من عبادتك أن لا تدخل النار فالنار رب لك، لو أن غايتك ان تدخل الجنة فالجنة رب لك، لذلك خرجت السيدة رابعة تحمل مشعل وقالت دعوني أحرق الجنة التي حجَبتكم عن ربكم، ومعنى رب هنا السيد المسيطر، لا نتكلم عن تأليه لذلك ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ يوسف، إنما أن يكون المحبوب عين المطلوب وعين المرغوب، أن تحب الله وهذا مقام الإحسان، أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك وهذا مدار علم التصوف بين مقام التزكية إلى مقام الإحسان. كل مدارات علم التصوف ندرج من مقام الأول التزكية إلى 70 مدرج، 70 مقام الفناء والبقاء والسكون واللوم والعتاب والنس والأوحشة والوجد والشوق والعشق والندم والملامة إلى 70 مقام حتى يصل الى مقام الاحسان. يبدا من ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى﴾ يصل الى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا يسمو الى ﴿وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ يمضي الى ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ﴾ ۚ ثم يمضي الى ﴿اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ﴾ حتى يصل الى الصابرين المخبتبن ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.
إذا إياك نعبد أفرادا للعبادة لك حبا فيك، وإياك نستعين لأنك ألقيت في دنيا تحتاج فيها أن تستعين به. فأول عدو لك ركب فيك ﴿فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾، أكبر أعدائك بين أحشائك، أقوى عدو لك يمكن أن يؤذيك يسكن فيك، ألذ عدو قد أوتِيته أنت تُغذيه وتقَويه وتُطعمه وتسقيه، فإذا علمت أنه يسكن فيك علمت انه يمكن ان تَسكن فيه، فإذا علمت كيف تَسكُن فيه علمت كيف تُسكِن ما فيه، فإذا أَسكنت ما فيه مضيت الى عين أودعها الله في قلبك فشربت من معينها فصارت نار نفسك بردا وسلاما وألقيت عصا النفس التي عصت فهي كالعصا في وادي طوى سر الله فاذا هي حية تسعى، تنتقل من كونها حية أفعى الى كونها حية من معنى الحياة فتنتقل من معيشة ضنكا ومعنى العيش الى معنى الحياة ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ معان تنتقل فيها. • أول هذه الأعداء تستعين بالله على شيطان النفس: اللهم اني استعيذ بك وألوذ بك من شيطان نفسي وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء، ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا﴾ ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُۥ نَفْسُهُۥ قَتْلَ أَخِيهِ﴾ هذه النفس ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ هذه النفس بهذه المعاني حتى تصير لوامة فاذا صارت لوامة تلوم بلا توقف، لا يرضيها شيء كالزوجة النكدة إن أرضاها غضبت، إن أغضبها غضبت، إن تزوجها وحدها غضبت ، إن تزوج عليها غضبت، أنجبت غضبت، إن لم تنجب غضبت، من بلاءات الدنيا المرأة النكدة، وخير متاع الدنيا المرأة الحسنة، إن تكوين جيش بأكمله أيسر من تكوين إمرأة صالحة. فلما تنتقل الى مقام اللوامة تُعلم الحب فإن تعلمت الحب توقفت عن اللوم، اطمأنت فإذا اطمأنت سكَنت، فإذا سكنت سارت بصاحبها في معارج الرحمن. صارت راضية مرضية، فدخلت في العباد دخلت في جنة صاحب ورب العباد، وهذا يكون للعارفين بالله في الحياة قبل الموت لأن أنفسهم مطمئنة لان الله قال ﴿وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ﴾ جنة في الدنيا بالرضوان وجنة في البرزخ في عليين، ثم جنان أخرى. • وثاني الاعداء شيطان حقد على أبينا آدم فاستمر في أذيته، وله فرعان شياطين إنس وجن ﴿جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين﴾ ففصل وقال ﴿يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍۢ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُورًا﴾، ثم ما هي من بلاءات الحياة. المهم أنت تستعين به دون أن تعلم، وأنت في بطن أمك ثم يخرجنا لا نعقل شيئا، وتستعين به عندما تكبر، وتستعين به عندما يأتي الموعد الذي لابد أن يأتي ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ تستعين به في كل شيء، وهذا باب الإستعانة.
اذا هما بابان: باب العبادة والإستكانة، وباب المدد والإستعانة. ★وأما باب العبادة والإستِكانة: فلا يقوم إلا بعارف عرفك عليه وهداك إليه، أي أن العبادة لا تكون كفاحا مع الله، إنما لابد مِمن يوصلك إليه، ولذلك أنت في صلاتك تسلم على حضرة النبي. وهنا الوسيلة المحمدية، وهنا باب التوسل لأن العابد الذي يعبد من كفاح نفسه يُترك لها، وهذا مقام إبليس، لما عبد الله كفاحا دون واسطة تشده ودون روح عظيمة أعظم منه تمده، فُتن. ما هي قصة إبليس، في النهاية طلب الله منه ان يدخل من باب عبادته عبر مخلوق، أن يدخل تحت جناح هذا المخلوق، أن يقبل به واسطة بينه وبين ربه، أن يسجد له إقرارا لعظيم تلك المنزلة فرفض ذلك. قابيل وهابيل قربا قربانا فرفض الأخ أن يكون أخوه أعلى منه، اي أن يدخل على جناب الله من حضرة أخيه فقتله، إخوة يوسف رفضوا هذا الجمال اليوسفي ﴿إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ رموه في الجب. لذلك لا يمكن أن تُقبل لا إله إلا الله دُون محمد رسول الله، ولا تقال لفظا بل هو مقام النبي وفيكم رسوله، لذلك ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ ما قال اذ ظلموا أنفسهم فاستغفروا الله، جاؤوك أولا، طيب أنا اليوم كيف أجيه؟ بروحي، اجيئ سره، لا فقط اجيئ مدينته، اجيئ قلبه الشريف، يراني ويسمعني، فأستغفر الله بين يديه، هذه الكاف "السلام عليك ايها النبي الكريم" شاهد ناظر حاضر قريب. أحدهم يناظرني قال ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ قلت إذا سأل أم إذا سألك، سألك، وعِبادي ليس عبيدي، هل أنت وصلت الى مرْتبة العباد، ﴿وَجَعَلُواْ ٱلْمَلَٰٓئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَٰدُ ٱلرَّحْمَٰنِ﴾ ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ انت مازلت في مرتبة تحت العبيد، إذا قصدوك فسألوك فإني قريب. أما القرب الآخر نحن أقرب إليه من حبل هذا إسمه قرب الجلال، قرب القهر والإحاطة، أما قرب الحب، قرب النوال، قرب الوصال، هو قرب آخر. هو قريب من كل قريب، وأقرب من كل أقرب. انا ضربته مثلا كتاب اسمه الياقوت في أسرار الملكوت، يأمر الله ملك الريح فيمد يده إلى غصن فيحركه بالريح، فيحرك الغصن ورقة فتحرك الورقة قطرة الماء، فتسقط في الأرض فتحرك نبتة كانت نائمة هامدة، قلت والله أقرب من الغصن من الملك، والى الورقة من الغصن، ومن القطرة إلى الورقة، ولنبتة من القطرة، أقرب من كل أقرب، لكن بمعنى قربه ليس قرب ذات، بَل قرب علم وقرب قدرة، أما الله فلا يحل في الأشياء ولا ندرك ذاته أبدا. مقام الإستعانة ومقام العبادة والإستكانة، حتى مقام الإستعانة لا يقوم إلا بالمدد، نفسه الذي وقف بينك وبين ربك ليكون واسطة لك وشفيعا لك هو الذي منه باب الأمْداد. وهنا من باب النبي الى باب علي وفاطمة والحسنين إلى أبواب الأولياء والصالحين والأنبياء كل الأمداد متصلة بالنبي فقال: "ألا وإن الله مُعطي وأنا قاسم" قال ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين﴾. إهدنا الصراط المستقيم، "إهدنا" لأن الله سبحانه وتعالى عل الهِداية هدية ولا تأخذ غصبا، ولا نصبا، إنما من باب "وانصب" باب النَّصَب، ولذلك هذه الهداية ما دامت هدية لابد ان يُتلمس أمرها، وهذا من أدب التعامل مع ملك الملوك، أن نطلب منه الهداية لأنه من باب العبادة والإستعانة، إذا لم يهدنا لا نصل الى ذلك أبدا. فقال اهدنا فنطق صاحب الحضرة بأصوات العبيد والعباد الذين يتلمسون أن يكونوا عبادا. اهدنا الصراط: الصراط هو المنهج القويم، هو الطريق الدال، هو الطريق المستقيم بين نقطتين طبعا. كتب كثيرون حول الصراط ومعانيه وليس هذا موضع نقاش ذلك مما تزيده كعب الأحبار وابن المنبه…لأن لبني اسرائيل عقيدة في التجسيم، فأدخلوا بعض رواة حديثهم فصوروا أمورا وهذا ليس مقامهم، لأن الله يقول وسيق الذين اتقوا ربهم الجنة زمرا. تجد مرويات أخرى تحتاج الى تحقيق وتمحيص. ولكن نقول ان هذا الصراط المستقيم الذي هو المنهج القويم تحت راية لا إله الا الله وبند محمد رسول الله الذي فيه الرحمانية والحَمدية والإستكانة ومقامات الرحمية ومقامات تجليات الإسم الأعظم، ومقامات الألوهية والربوبية وغير ذلك كثير من أبواب الإستعانة والمدد وأبواب العبادة، مما ذكر في هذه الآيات إنما يكون هذا الصراط المستقيم الذي هو لله سبحانه وتعالى قد احيل الى عباد. مرة اخرى "توسل" لم يترك الصراط مشاعا، قال "صراط الذين أنعمت عليهم" إذا أنت حين تهدينا الى الصراط المستقيم اهدنا الى اصحابه، لماذا قال ادخلي في عبادي، لن ترجعي راضية مرضية إن لم تدخلي في عبادي. من هؤلاء العباد؟ من أصحاب الصراط؟ أليس محمد سيدهم؟ أليس سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام سيد هؤلاء؟ أليس أهل البيت واصحابه الأنبياء من قبله والأولياء من قبله ومن بعده؟ إذن هذا يدل ايها الأحباب على أن علم الوسيلة وعلم التوسل والواسطة الربانية قائم منذ الفاتحة وأن مفتاح الباب في هؤلاء العباد. ولكن الله أوجد معَاني في هذه الآيات الأخيرة تستحق النظر.
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، الله جل في علاه له تمشي منطقي في القرآن، فإما ان يذكر الأفضل فالأقل فضلا ثم يذكر السيء، أو يذكر الأسوأ فالأقل سوءا، فهكذا منهج منطقي، قال مثلا السابقون ثم قال أصحاب اليمين ثم قال أصحاب الشمال، أو قال فرعون وهامان وجنودهم، فرعون هو الظالم الاكبر، هامان يليه ظلما وجنودهما من الطاغية والمجرم والسفاح الى الأبله الذي لا يفقه من الامر شيء، تراتبية.
حطم هذه التراتبية في الفاتحة، أتى بالأكمل (أنعمت عليهم) وأتى بالأسوأ (المغضوب عليهم) وأتى بمن هم يتأرجحون بين الكمال والسوء (وهم الضالون). فتسألنا ما الحكمة من ذلك؟ فقلنا: ذلك لأن دور المغضوب عليهم ان يحوِّلوا بعض المنعم عليهم او يُحولوا الى ضالين، او يزيفوا عليهم كثير من الخلق منعم عليهم لكن يضيعون ويتيهون. ألم يكن إخوة يوسف ممن أنعم الله عليهم، أبناء نبي ونبي ونبي وإخوة نبي، ولكن كانوا فترة من الضالين واعترفوا لأبيهم. المغضوب عليهم أول ادوارهم ان يحاول نقل بعض المنعم عليهم (إلا عبادك منهم المخلصين) أن يستجذبوهم الى الظلال وأن يحولوا الضالين الى مغضوب عليهم فتحرم عليهم الرحمة والمغفرة، ﴿حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَٰفِرِينَ﴾ ﴿لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَىٰٓ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ﴾. ما دور المنعم عليهم إذا؟ قلنا: أن يخترقوا المغضوب عليهم حتى يتصلوا بالضالين فيهدوهم إليه، إذا العمل الدعوي كله هذا. تبدأ الفاتحة ببدايات البسملة وتمجيد الله، ثم التبيان اننا نوجه العبادة والاستعانة ثم طلب الهداية ثم المنهج القويم والصراط المستقيم وإظهار الدين في أبهى حلة، في أجمل ما يكون بعد التمكن والفهم، ثم تمضي إلى أن ذلك الصراط مِلك لعباد، ثم تنتهي بالمهمة الموكلة بهؤلاء العباد؛ أن يخترقوا المغضوب عليهم إلى الضالين فيهْدوهم.
وهنا كل القرآن مختزل في الفاتحة: كل القرآن تفسير لمعنى إسم الله. كل القرآن تفسير لمعنى الرحمانية والرحيمية وما يكون بينها من الأسماء الحسنى. كل القران تبيان لمعاني يوم الدين والقيامة وما كان فيها. كل القرآن تبيان لمَعاني العالمين وما كان في العالمين من قصص نحن نقص عليك أفضل القصص. كل القرآن تبيان لمعَاني العبادة وموجبات طاعاتها، ما فيها من سلوكيات. كل القرآن تبيان لمَعاني الإستعانة من (وأعدوا لهم) إلى غير ذلك. كل القرآن معاني للتفكر في ملكوت الله، هذا تفكر في العالمين، ذكر الله هذا تسبيح لِلقوي المتين. كل القرآن منهاج نحو الصراط المستقيم، الذي يقسم لنهدينهم سبلنا وهي الطرق الصوفية والمدارس الفقهية هذه سبل، ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ﴾ هذه سبل الشيطان. كل القرآن فيه قصص الذين أنعم عليهم وقصص الذين غضب عليهم، وقصص الضالين. كل القرآن هذا مجمعهُ.
الفاتحة يا احبابنا هي مجْمع سر القرآن الكريم، وهي باب بدايته ومنتهى كماله ونهايته وبرهان تحقيق غايته وإظهار مجلى ومعاني آيته ورفع لعالي وعلي رايته.
الختام فالحمد لله الذي نزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، والحمد لله الذي سلكه وأنزل به من المزن ماءا ثجاجا، والحمد لله الذي سلك ونهج عدد من بذكره لهج، والحمد لله الذي زكى ما نتج، والحمد لله الذي جعل بعد كل عسر يسرا وبعد كل شدة فرجا، الحمد لله الذي افنى بحبه مهجا، الحمد لله الذي أسرى بطَهَ وعرج، والحمد لله ما أمر درج وما أنزل فرج بعد ان نادى الناس يلتمسون الفرج.
اللهم صل على سيدنا محمد صاحب التاج والمعراج صاحب السبيل والمنهاج من هو لكل علة علاج ولكل فضيلة تاج. اللهم صل عليه وبارك في هذا النتاج، وصل اللهم على من حسنت منها النتيجة وأُدخلت الجنة البهيجة الحبابة خديجة. وصل على من نوق بها النار الحاطمة، بحار الله المتلاطمة السيدة فاطمة. وصل اللهم على من هو ولي سره جليل وقلبه عن غير مولاه خلي الامام علي. وصل اللهم على من بُشر بالعطاء الحسن ومُنح الوجه الحسن والسلوك الحسن والمقام الحسن سيدنا وجدنا الحسن. وصل اللهم على من هو في الجنة معه ثاني اثنين كحيل العين ابن طه الزين الذي ضَحى في سبيل ربه مرتين امامنا الحسين. وصل اللهم على النبي وال النبي وسلام على باب تحقيق المطالب سيدنا ابي طالب. وسلام على أئمة الفقه والعلماء والصالحين والنجباء والأوتاد والاصفياء الظاهرين والأخْفياء أصحاب النقاء والوفاء. وسلام على الحاضرين معنا وبيننا على سيد صاحب هذه النوبة سيدي محمد بن علي صاحب مرباط. وسلام على روح الشيخ محمد الخزرجي وعلى من طاف بروحانيته وبسره إلى أَبائه إلى أصحاب رسول الله. وسلام على الخضر ساقي الخمرة اللدنية، وعلى ذي القرنين صاحب القوة العظيمة الجلية وعلى ملائكة الله أصحاب الأسرار السرمدية وعلى الأنبياء المُحلين بالحلو السندسية وعلى كل ولي وولي ونبي وصديقة نجية وعلى كل نفس وروح تقية، وعلى المهدي والبقية وعلى عيسى وموسى وإبراهيم وعلى كل أصحاب المجامع وكل أصحاب المجالس ومن حضر مجلسنا هذا من الروحانية وأصحاب السرادقات الربانية. اللهم رب العالمين اجعلها لك واجعلها بك واجعلها منك واجعلها معك واجعلها إليك ودُلنا عليك ونَاجيناك رحماك، ولبيك وسعديك بجاه نبيك ومصطفاك. اللهم أسْكنا في عيني رسول الله وأسْكنا في قلب رسول الله، وأشهدنا جمال رسول الله، حَلنا بحلاه، نعمنا بسره ورضاه متعنا يا رب العالمين في الدنيا بأن نلقاه وفي الموت ان نشْهده، أن نراه وفي الاخره ان نجَاوره وان نكون جيرانا له صلى عليه الله. الصلاة والسلام عليك يا من حلاك الله، يا من زينك الله يا من رقَاك الله، يا من لقاك الله يا من اجتباك الله، لتكون حَبيبه ومُجتباه ونبيه ومصطفاه، ايها العبد التائب الأواه. السلام على دموعك وعلى خشوعك وعلى رجوعك وعلى خضوعك لمولاك سبحانه وتعالى وعلى صبرك وجوعك. السلام عليك روحًا في الأرواح، وشبحا في الاشباح، رضيعا بين يدي أمك، وجنينا في بطن أمك، وطفلا في حضن عمك. والسلام عليك في البادِبة والسلام عليكم في الأسرار البادية، والسلام عليك في حراء، والسلام عليك يا والد الزهراء صاحب القبة الخضراء. السلام عليك يا إمام نجد وتهامة. السلام عليك يا من له الزعامة. السلام عليك يا صاحب العمامة، المظلل بالغمامة، شفيع الخلق في يوم القيامة، الداعي إلى صراط السلامة من عصيانه وكرهه ندامة. الصلاة والسلام عليك وعلى والديك وعلى كافليك وعلى قلبك ومُهجتك وعينيك، وبسر أسرار ونور انوار الفاتحة مع الصلوات. سقوني وقالوا لا تغنِ ولو سقوا * جبال حنين ما سقوني لغنتِ اللهم صل على الحبيب من هو من أرواحنا قريب. من آخر ما أنشّدت هذه الابيات نختم بها: قلت يا من لهم قلبي وفيه تجملوا وتحملوا في الله حين تحمَّلوا أنتم ضياء عيني وأنتم نورها غرٌ هداه للعباد وكمل فإذا نطقت فنُطق حرفي عنكم وإذا صمت ففيكم أتأمل
صمتي تأمل فيهم ونطقي نيابة عنهم ما كان أمر ليكون لولاهم بفضل مولاهم، ما كنا ولا عشنا كان سيدي أبو الحسن الشاذلي يقول: لو غاب عني رسول الله ساعة من نهار ما عددت نفسي من المسلمين. لذلك اتبع حشوية الفقهاء العبارة، واتبع العارفون بالله والعارفون من الفقهاء الإشارة، وقد ضاقت الإشارة واتسعت الإشارة فمن لم يفقه متن العبارة ضاع عن الإشارة ومن فهم متن العبارة وأدرك الإشارة بلغ المنارة ، وصل الإستنارة وأتاه النبي فزاره فعمّر داره وحفظ زوجه وصغاره. نعم، فنور أنواره وَمتن أسراره، ونضج أفكاره ولذلك لا أرضى من الذي زرته إلا أن يزورني، ولا أرضى من الذي أحببته إلا أن يُحبني، ولا أرضى ان اكون محبا ولا أَكون محبوبا، ولا أرضى ان اخطب ولا أَكون مخْطوبا بل إن الذي خطب خطب قبل ان يُخطب، لذلك قال يحبهم ويحبونه، ولو لم يُحبهم ما احّبوه، ولو لم بعرفهم ما عرفوه.