الحمد لله الذي اختار نبيّنا، واجتبى وليّنا، واصطفى صفيّنا، وولّى عليّنا، وجعل بيننا وبينه سرٍّا شفيفّاً لطيفاً ليّناً، ورفع قدرنا فما كان عنده هيّنا، تبارك ربّنا خالقاً منعّماً، مودعاً، مخفيّاً، مُبدياً مزيّنا. وتبارك الله الذي جعل الصالحين يحلّون في حيّنا، وجعل الشّهادة والكرامة لمّيتنا وحيّنا، فيا سامع النجوى إذا أتيتَ حيّنا فحيينا. فإن الله سبحانه وتعالى، قد أكرم السلالة وبعث الرسالة، فما زال يسقينا ساقينا، ويسقي أوائلنا ولواحقنا وبواقينا ومازال يلقيّنا ويرقيّنا ويَقينا، ويهبنا ثباتاً ويقينَ، ومازال يلاقينا بملاقينا، حيث قد طاب في برزخ السرّ تلاقينا، ومازال يظهر منّا عجائبَ، ويبدي غرائبَ ومازال منا يظهر قديماً، عظيما، غائبا، و يظهر عاشقاً فانياً، ذائبا، ومازال يرقّينا في المراقي. ومازال يثبّتنا يوم التّلاقي، ومازال يزمع لنا عن الدنيا ما أزمع من قبل من التّلاقي، ومازال يجعل فينا نيرانَ العشّاق في الاشتياقِ، ومازال يرفعنا على ذلك البراقِ، ومازال يسوقنا إلى خير المساقيِ، ومازال ينشر سرّنا بين المدينة إلى بغداد في أرض العراقِ. ومازال يظهر المؤنس في تونسَ، و مازال يكرمنا، وينعّمنا، ومازال بنا حفيّا فتبارك الله ربّنا وليّا، وصلّى الله على محمّد وعليّ مَن سمّاه رسولنا عليّا ورفعه إليه مقاماً عليّا وكان عند ربّه وجيهاً عليّا وكان الله قدّوساً قيّوماً عليّا. وصلّى الله على الزّهراء، عدد السرّاء والذرّاء صلِّ عليها لسرٍّ فيها وصلِّ عليها لأنوارٍ يُبديها وأنوارٍ يُخفيها وصلِّ عليها عدد ذرّات الرَّمل في فيافيها، وصلِّ عليها عدد أرواح اعتلّتْ بالعشقِ فهو شافيها، وصلِّ عليها عدد قلوب افتقرت بالشّوق وهو كافيها، وصلِّ عليها عدد أكفٍّ امتدّتْ بالذّراع و هو موفيها، وصلِّ عليها عدد الحقِّ الذي نطق مِن فِيها، وصلِّ عليها عدد الدنيا ومَن فيها وما فيها وفوق ما فيها. وصلِّ عليها إذ تتجلّى علينا، وتنظر من سدرة الأنس إلينا، تلبس الأخضرَ، وتمسكُ الكوثرَ، وهي الكوثرُ بل كوثرُ بل أعطى الله فيها كوثرًا فأكثر فكثّر فجعله مُكثرا فسبحان الذي أعطى وأعطى وأعطى، في الزِّهراء على ما يسرُّ قلب أبيها وعلى ما يسرُّ قلب بعلها وعلى ما يسرُّ قلب حَسنَيْها وعلى ما يسرُّ قلبَ أبنائها وعلى ما يسرُّ قلبَ عشّاقها وعلى ما يسرُّ قلب مهديها السرّ المستودع فيها. اللهم صلِّ عليها متجلّية وعن الدّنيا متخلّية، صلِّ عليها صلاة الوصال والدّلال والجمال والكمال، يا عظيم الوصال والدّلال والجمال والكمال، وصلِّ عليها عدد الأقطابِ والأبدال وعدد ما بين الميم والدّال، وعدد من صفا في الحال وعدد من ارتقى فوق المُحال وعدد من إليه الله السّر والنور والأمر فوّض وأحال، وعدد من صدق وسبق وما لأمره من انتحال. اللهم صلِّ عليه، وصلِّ عليها، وهي فينا وهو فينا، قد حلّ فَيا خير حال، ويا أكرم حال في الأحوال، يا ربّنا لنا عندك حسنُ الحسن، ما سمعنا عنه إلا الكلام الحسن، ما رأينا منه إلّا المشهد الحَسن، وما صار في الدّنيا ولا في الآخرة إلا السير الحسن. فَبحقِّ هذا الحسن، وبحقِّ حُسنِ الحسن، وبحقّ إحسان الحسن، وبحقِّ تحسين الحسن وبحقِّ ما حُسّنَ وكُمِّلَ في الحسن، اجعلْنا في روحي وقلبي وعين الحسن وصلِّ على الحسن. وإنَّ لدينا ناظر إلينا سمّاه ربّه حُسينا اجتباه شهيدا واختاره شاهدا وجعله مشهودا، اللهمَّ فأكرمنا بسرّ شهادته وكرم وفادته ونور سيادته ولواء قيادته واجعل لنا من عظيم سعادته، إنّهم إلينا لَناظرونَ، وإنّا عنهم منهم بهم لَناطقونَ دمُنا دمهم وفمنا فمهم، وبوحنا بوحهم، وجرحنا جرحهم، وجرحهم جرحنا، وبوحهم بوحنا، وصبحنا صبحهم، وصبحهم صبحنا، وقرحنا قرحهم، وقرحهم قرحنا، ومنحنا منحهم، ومنحهم منحنا، نحن من لنا كلّ هام حَنَا، وانحنى، بأمر ربّ العالمين الذي بلغّنا فوق المنى فيا هاهنا، هنا أرض الوعد وهنالك أرض الميعاد وبين أرض اللطف وأرض الحتف بين أرض الولادة وأرض الشهادة، ملحمةٌ يراها الناس قريبا يدني بها ويظهر غريبا عبداً اجتباه حبيبا وقرّبه نجيّاً صفيّاً وليّاً قريبا وأظهره قريبا وكان عليه رقيبا. شهداؤنا الذين يزفّون الآن إلى الجنّة يقبضهم ملائكة تمنّوا قبض قاتليهم، يقول قائلهم من تحت الأنقاض طفلٌ أنا وقتلتموه بأيّ جرم قتلتموني وأنا الرّضيعة ها هنا فبأيِّ ذنب وأدتموني؟! لأنهم يعلمون أنَّ تلك الرضيعة ستحمل الرّاية وستقف على بقاياهم وعلى مِزقهم وعلى رمادهم وعلى حطامهم وعلى ركامهم فاستبقوا يقتلونها ويعاجلونها لدنيا يعشقونها ولا يعلمون أنّهم قريباً بِخزي يغادرونها، كلّ رضيع يمضي إلى الله يُبقي لنا الوصيّة، كلّ قتيلٍ يجتَبى عند الله يترك لنا الوصيّة ويلزمنا القضيّة ويشهد على ذلك البريّة وسيّد البريّة وعليّ وفاطمة العليّة وخديجة التقيّة وآمنة النقيّة والأئمة والآل والصّالحين والبقيّة وكل وليٍّ ووليّة وتقيٍّ وتقيّة يشهدون خلق الله وملائكة الله ويشهدون عين الله على مظلمة وعلى مهزلة وعلى دعيّ شقيّ لعينٍ، ما أهزله! وعلى أرضٍ قد حلّت بها الزلزلة وبلاءات منزلة بآيةٍ مُنزَلة فيها خَفْضُ مَنزِلَة ورَفْعُ منزلة بسرّ الذي جعل الجنّة منزلة وكان كريماً إذ كان مُنزَلَا ورفعه مكاناً فما كان منزلّا فسبحان الله. كيف تنبع الحياة من الموت؟ كيف يولد النور من الظلام ؟ كيف تخرج الابتسامة من شفة الدمعة ؟ كيف يُبنى من الرّكام ؟ كيف نرجع من هذا الحطام ؟ أيّها الأحبّاء في الله، إنّنا إذ ننشد القصائد عن الصالحين وعن أهل الله ونضرب دفّنا وأكفنّا ما كنّا لنستّخفّ بدماء الشّهداء وعويل الثكلى ولكننا قوم يحتفون بالشّهادة ويرون في الموت الولادة ويرون في قتلنا في سبيل الله أعظم سعادة ونرى وترون وسوف يرون أنَّ لنا السّيادة والقيادة والرّيادة سيكون وسيأتي الله بما يحضرون وسينجز الوعد الذي له يستعجلون وسيتمّ أمره من حيث لا يعلمون وسيأتيهم من تحتهم ومن فوقهم ومن حيث لا يشعرون. هو الله لا إله إلا هو ما كان ليعجزه شيء أو ليحدّه أمر أو ليغلبه مخلوق مهما بدا من قوّة المخلوقين فالله أكبر، ومهما بدا من ظلم الظّالمين فالله أكبر، ومهما بدا قسوة الغاصبين فالله أكبر ومهما فجروا ونسفوا وعسفوا وعصفوا فالله أكبر ومهما مكروا وقدّروا فقتلوا كيف قدّروا ثم قتلوا كيف قدّروا فالله أكبر ومهما عبسوا وبصروا فالله أكبر، ومهما أعشوا فما بصروا فالله أكبر، الله أكبر من فوقهم ومن خلفهم ومن حولهم. نحن كرجال عرفان ورجال وراثة للّذين سبقونا بالإيمان وسبقونا بالمنزلة وسبقونا بالمنية وسبقونا قبل ذلك بالولادة والبليّة وبأخذ لواء القضية، نحن خيرُ خَلَف لخير سلف. لم يكذب الدَّم، ولم يكذب الخالُ ولا العمّ، ما ثمَ كذبُ ولا ثمّ، بل أعطي الله فأتم، وسكب الصبَّ الجّم، وهنا في هذه المنارة نرى البشارة والإشارة والعبارة، ندركُ جيداً أن الآتي أصعب، وأنّنا في ملحمة أُحد كمصعب، يقال له قُتِل رسول الله فيقول وما الخير في الحياة من بعده، نعم يبكي نبيّنا اليوم على أشلاءَ مِزَقا، وعلى رضّع قد قتلوا تحت الرّكام، وعلى أطفال قد أتاهم الظالمون فى جنح الظلام. يبكي كما بكى إذ يكفّن مصعبَ، فلا يجد إلّا بعض عشبٍ ويبكيه فيقول: قد كنت أكثر شباب مكّة نعما، يبكي كما يجلس في مجلسه، قد جرح وقد أوذي، وبجانبه عمّ، خير عمّ، أسد الله، قد بقرت ملعونةٌ بطنه ولاكت كبده، وأتى لعينٌ أصل الشجرة الملعونة أبو الّلهب، فزرع رمحه في شدقه وبين فخذَيه وقال اليوم اليوم يا أبا عُمارة، وقد جدع وحشٌ سافلٌ أنفه، ينظر إليه مجدوع الأنف، ويسمع صراخ الثّكالى كلٌّ على قتيل، فيبكي قائلاً: وأمّا حمزة فلا بواكيَ له، وأما أطفال غزّة فلا بواكيَ لهم، ولكنّه وهو يبكي، بكاؤه إذ على صدر عليّ يوصيه: يا علي ستجدنَّ أثرة من بعدي، أفي ديني يا رسول الله؟ قال كلا، قال إذن لا أبالي، قال فلا تشتريطنَّ فيه سيفاً. ينظر بعينه اليمنى إلى حسينه يُنحر فتفيضُ دمعه، وينظر بعينه اليسرى إلى مهديه يُبايع فتشرق ابتسامة. ويرحل النبي بين دمعة وابتسامة، يبقيها ثقيلة على صدر عليّ. موحشةً في قلب فاطمة، مفزعةً في صدري الحَسَنين، إذ أتاهم وقد أتاه عِزرائيل يبشّره بقرب المنيّة، فمضى مسرعاً والسّمّ يسري فيه، وأتى بيت فاطمة وعليّ، فأتاه الحسنين يسعيان يبكيان، يمشيان يشرقان يضيئان، يتلألأان يدمعان. فقال دعوني، أودعان، دعني أشمّهما ويشمّاني، وأتزوّد منهما ويتزوّدان منّي. كم أمّ الآن تكتب اسم ابنتها وابنها، وتشمّه وتتزوّد منه، ويتزوّد منها، لا يدريان أيّهما يغادر قبل الآخر. أيّهما يمضي وأيّهما يبقى؟ ولما يمضي الذي يمضي فيرى الذي يمضي إليه يتمنّى لو أنّه لم يمضِ. ومضى الذي تركه من خلفه يبكي عليه. لعلّ الذي يبكي هنا، يبكي عليه هناك إن بقي هنا. بين دار الفناء ودار البقاء، بين صحبة العتاة والمجرمين، ورفقة الشهداء والصدّيقين والصّالحين والنبيّين بين قنابل الظّالمين وحضن المصطفى الأمين، مفارقة عظمى نحن عميان الدّنيا، نحن الذين نسيت أرواحنا ما كان، وتاهت عقولنا في المكان وضاقت أجسامنا عن الإمكان وعجزنا عن ربوة الإحسان، وعن صهوة العرفان، نبكي عليهم الآن، وهم الآن الآن، فرحون بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بنا إذ لم نلحق بهم ألا خوف علينا ولا هم يحزنون. ويأتينا من ربّنا نداء، لا تحسبوا الّذين قتلوا في سبيل الله، لا تحسبوهم أمواتاً، بل لا تقول أمواتاً، أحياء عند ربّهم يرزقون، أحياء ولكن لا تشعرون وهم بنا يشعرون، ومَن رقّ قلبه كحالي.. وشرب من خمرة الجمال.. وصعد على ربوة الكمال.. وكُسي بِحلّة الجلال.. وتنعَّمَ بِلذيذ الوصال.. وخُرق بالرماح وبالنصال.. ورُمي بالسهام من عاديات النّبال.. وصار بالدّنيا والجنّة والنّار لا يبالي.. وبلغ الاستواء والانتفاع وأسرى إلى ربّه على خير حال.. يدرك ويشعر.. يرى ويسمع.. إنّ في أمّتي محدَّثين.. فإذا رأى وسمع.. ثم عاد إلى الناس يسعى.. كيف سيسعى بينهم؟ بأيّ لسان يكلّمهم؟ بأيّ بيان يحدّثهم؟ بأيّ حال يبقى معهم وقد رأى ما خلف الحجاب ورأى ما خلف البرازخ، وأدرك أنَّ التي تبدو باقية فانية، وأنَّ الذي يبدو متّسعاً ضيّق، وأنّ الذي يتراءى عمراً طويلاً ما هو إلا لحظة، وأنّ الذي يظهر موتاً مخيفاً إنْ هو إلا شهقة فلمسة ملك فنداء إله (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً) فيدخل في العباد، ويدخل في الجنّة، ويرى النّبي، ويرى العليّ، ويلقى فاطمة، وينجو من النّار الحاطمة، ويحضن بالحسنين، ويفوز بالحسنين، ويجوز في الجنتين، ويشرب من كفّ موسى وعيسى مرّتين، ويعيده الله إلى سدرة أنسه وقدسه كرّتين. ويمضي يتوثّب بين الجولتين، وينعم بالنظرتَين، ويمضي فوق كلّ أين؟ إلى حضن الحسن والحسين. كيف سيبقى هنا؟ وهو يرى رضّع لم يكتبوا قصّة في الدّنيا؟ ولدوا ليمضوا، أتوا ليرحلوا ويراه باق منتظرا. وقد أتى إلى تعيسةٍ وكيسةٍ لبيسةٍ بئيسةٍ… أتى إلى دنيا دنيّة. لم يجد فيها نبيَ ولم يلقى بها عليَ ولا زهراءهُ النقيّة ولا حسنيه النابضين فيه، فما يبقيه؟ لا لقي في برزخ المعاني حضرة الجيلاني. مضى مع كلّ فاني، بل لقيه فيما خلف المعاني والمباني، وما خلف الدّنيا يشدّ كفّه فيها، يقول له أمكث قليلا وانتظر، فإن المنتظَر منتظِر. إنّهم يرونه بعيدا ونراه قريبا. وبين موعد الصّبح القريب وقوم لوط يتسوّرون عليه الدار، وغلمان على غاية الجمال يراهم بعينه.. ويسمعون عنهم بأذانهم تؤزّهم شياطينهم، ويصرخ بهم لو أنّ لي بكم قوةٍ أو آوي إلى ركن شديد. ينطق الملك فيقول إنّ رسل ربك لن يصلوا إليك. إني أرى خلف كل صبيّ في غزة، خلف كل قتيل في غزة، خلف كل تقي في غزّة ملكاً يقول إنّ رسول ربّك لن يصل إليك، فيكذبني الموت قائلا. ألم يقتلوهم فيصلوا إليهم؟ وانظر إليه مبتسماً. وأقول إنّهم لم يصلوا للحسين، رغم أنّهم خرقوه بالنّبال والرِّماح وأثخنوه بالجراح. وضرب الشّقيّ على صدره اثني عشرة طعنة، واحتزّ رأسه وأجروا الخيل وأجروا الخيل على جسده الشريف. لم يصل إليه، وصلوا إلى طينة زكّاها الله بالشّهادة، من بلغ الأرواح فقتلها، ومن وصل الأسرار فنالها، ومن يمنع الله من نعيمهم ويمنع الآخرين من جحيمهم. القتلة إذ يقبضون على أسرتهم يعذبهم عزرائيل، والشهداء إذ يُقتَلون ينعّمهم عزرائيل، فيا أيها العزرائيل أخذت رضّعاً وأطفالا وأنت مغتاظ تريد أخذ القاتلين. انتظر معنا. إنّ الأمر بعد حين. سندخل مع خيول الفاتحين. وجيوش الصالحين. مع مهدينا ووليّنا. سنأتيهم سنأتيهم قريباً سوف سنأتيهم، وتصهل خيلنا مدداً إذا حلّت بواديهم. ونركب فوقهم سفناً بِحول الله تنهيهم، ونسحقهم ونمحقهم ونغلبهم ونهيهم. وتونس وعدها قدر. بأمرٍ سوف يأتيهم. فاذكر كلامي في موضع هذا. يهددني عدوّي بالمنيّة ولا يدري عدوّي ما القضيّة. أنا ابن محمد، من خير آلٍ، هم الأسياد في كلّ البريّة. ولم أخشَ الجحافل أيّ يومٍ ولست اليوم ولست الآن، ترعبني الشظيّة، أنا من فاطمٍ يا لهف روحي، على الزهراء هاتيك النقيّة، أجل أيّها الأحباب؛ عبد السلام الأسمر حيّ، وعبد القادر حيّ والرفاعي شيخ الحيّ في هذا الحيّ؛ حيّ بأمر الحيّ، والبدويّ والدّسوقي والشاذلي حيّ في هذا الحيّ؛ وصدر هذا الحيّ لأهل الحيّ؛ حيّ. فإذا حلّت بي أسياد الحيّ فحي، كي تغدو حيّا، وقلْ معي الله حيّ، الله حيّ. الله حيّ. لا يخفى عن ربّنا شيّ، لا يعزب عن ربّنا شيّ، لا يعجزه مولانا شيّ. وأنّ أعداءنا سيفنون كأنّهم لا شيّ بنفحة ونظرة وكلمة من الحيّ مفنٍ كلّ حيّ محيي كلّ حيّ، ونحن مجمعون في القدس في ذلك الحيّ، يا أهل الحيّ، ويا أخي، ويا من يحنو عليّ ويرنو إليّ، يا حسني، ويا حسيني، ويا أبي، ويا أخي، فالحمد لله الذي شرّفنا، بيّنَ أنَّ منطقنا بكلام العارفين على ذنوب نحن لها وبها معترفون. ويا فوز المعترفين، والحمد لله الذي شرّفنا بالخضر حاضراً بيننا وجميع الصالحين، والحمد لله الذي شرّفنا بشهداء القدس وأهل فلسطين، ناظرين سامعين مستبشرين، والحمد لله الذي شرّفنا براية سيّد المرسلين ووراثة سيّد المرسلين ودماء سيّد المرسلين وكرامة سيّد الأوّلين والآخرين، وبنظرة منه إلينا أنً وحينً ينظر متبسّما لا متبرّما، عين دامعة وأذن سامعة، ويدنو فندنو، ويُدني فندنو، وندني فيدنو، ويدني منّا ما يدنو، فلا يبقى إلّا هيكل من شفافية عشق يسمو بالطّين فوق الطّين، يرنو إلى فلسطين، يمضي ويمضي ويمضي بأمر الله القاضي الممضي إلى حيث أراد له ربّه، فحضن بحضن ونظرة بنظرة، وكفّ بكفّ، وموقف بموقف، وسرّ بِسرّ بيننا وبينه يديره ونديره يسقينا ونسقيه ويعطينا فنأخذ ثم نبسم إليه فيرى ذلك فينا، فيتبسم إذ أنّه حيّ، ما دام الناطق عنه حيّ والقلب حيّ وقلبه حيّ. الحمد لله الذي شرّفنا بِعليّ، تقينا مولانا، كفى علياًّ من الكرامة أنّ النّبي في فراشه فدائياً أنام، وأنّه اختار الفداء ولم يرقب في ذلك درب السلامة، فأعطاه الله السلامة وجعل ذلك على خلافته علامة، والحمد لله المظلّلة بالغمامة وإمام يوم القيامة رفع يده وقال من كنت مولاه فعليّ مولاه فهو صاحب الإمامة، والحمد لله أنّ صاحب العمامة قال لأعطيّنَّ الرّاية غداً رجلاً يحبّه الله ورسوله ويحبّ الله ورسوله يفتح الله على يدَيه فرفع باب خيبر وحطّم أنوفهم وأدنى حتوفهم وأفنى ألوفهم فقال جبريلُ وردّدَ ميكائيلُ وأنشد إسرافيل وردّدت ملائكة العرش والفرش وردّد صوت النبي لا فتى إلّا عليّ ولا سيف إلّا ذو الفقار. يكفي عليّاً أنّه لمّا خلفه رسول الله على المدينة قال المنافقون أنّ رسول الله كره صحبتك فأتاه باكياً فقال أكرهتَ صحبتي يا رسول الله فوضع يده على خدّه الشّريف بحنان أب وأشرقت من عينَيْه نظرة ألفة، نظر إليه وهو ينظر إلى نفسه لأنّه نفس النّبي فقال ألا يكفيك منّي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى أو قال ألا يكفيك يا عليّ أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، يكفي عليّاً أنّه إذا أتى ابن ودّ يحمل الحقد لا الودّ، يصدّ ويضدّ ويردّ وليس من أحد عليه يردّ ولا لكلامه يُردّ، فيأتيه من عليّ الردّ والصدّ. يبني عليه السّدّ ولا يقدر، يقيّد بحبل من مسد ويتوثّب لديه ذلك الأسد ويضرب مَن فَسَد يمزّق الرّوح والجسد يُفني قلوبَ مِن حسد. ويرجع وقد قطف وجني وحصد، فيقول النّبي إذ يتوثّب عليّ، خرج الإسلام كلّه للكفر كلّه، ويقول إذ يُثنِي عليّ، وينثني، ولنبي ينحني: ضربة عليّ يوم الخندق بعمل أمّةٍ إلى يوم القيامة، ضربة عليّ يوم الخندق بعمل الثّقلين. اضربْ أنف كل محدث يقول كلام موضوع، أقول أنت وأبوك وأمك وأهلك كلّهم موضوعون، وسندك وضيع، ومن أخذت عنه لإبليس رضيع، مضيع، ليس فيه ربيع، يفتن به الجميع، خادعٌ مخادِعٌ خَادِع، خدِيع، خدّاع، ملتاع، كسم الأفاع بالشّرّ والمكر ساع. المهمّ يا أحبابي يكفي عليّاً، أنَّ يوم فتح مكّة يرفعه رسول الله على كتفَيه: اصعد يا عليّ أمسك الأفلاك، وحطّم الأصنام، وأحرق قلوب اللئام، اصعد يا ابن الكرام على كتفّيّ سيّد الكرام، فمن لامني في عليّ يلوم أخي بالرّوح في أخيه، وشقيقاً بالسّرّ في شقيقه، وجناحاً في الأمر في جناحه، وولداً في الطّين في أبيه، أنّه أخي روحاً، وشقيقي سرّاً، وجناحي أمراً، وأبي ووالدي جسداً، مَن قال شيعيّ، نحن يُتَشيَّعُ لنا، ومَن قال سنيُ، السّنّة سنّةُ جدِّنا ونحن به أعلم، ومازلنا مقرونين بالقرآن ببشرى العدنان، أهل بيت والقرآن لا يفترقان حتى يرتدّ على الحوض، ومازلنا سفينة النّجاة، ونور الحياة، ومازلنا الطَّارقَات، ومازلنا الهدّات، ومازلنا الحُداة، ومازلنا الماضون بسرّ الذّات، إلى عظيم الذّات، وعظيم الصّفات، ومازلنا الآيات البيّنات، المنزَّلات، المحكمات، ومازلنا الطير، الطير الأبابيل والصّافات، ومازلنا الراجمات، وما زلنا البوارق الفاخمات، الفاخرات، الشمَّق الأباة. هذا عبد السّلام على يميني، وهذا عبد القادر من ورائي، وهذا الرّفاعي بجانبي، وهذا ابن عروس أمامي، وهؤلاء الصالحون من حولي، وهذا الخضر في سرّي وقوتي وحولي، وهذا عليُّ في بياني، وهذا حسنٌ في لساني، وهذا حسينٌ في سلطاني، وهذا نبيٌّ في إحساني، وهذا الأولُ الأولُ ماله من ثاني، ربُّ المعاني، أفناني وأعطاني بعد أن بلاني فأبلاني فأبكاني فأجزاني، فناداني بِسرّه، وبأمره، فسقاني، فرفعني، فأغناني، فأعطاني، بأمره وبسرّه، ما حيّر الأفهام، ما حطّم الأوهام، فَليقلْ قائل عنّي إنّي متوهّم، وإنّي مجنون، لا بارك الله في عقلك أَرِنا ماذا قلت؟ أرنا ماذا فعلت؟ في أي ميدانٍ صلت، أيّ عدوّ قاتلت، أيّ فارس نازلت، هل سجعت ورَصَّعت، هل شبعت فجُعتَ، هل ظمئت فهنئت، هل غُرِّبتَ فعُذِّبت، فتعذَّبت، فصرتَ عذباً عذوباً، معذّبا، والتعذيب من الدّلال، لذلك لا أراني في هذه الهيعة مبارزا، إنّما لئام يتكلّمون من خلف حجاب، أقزام يمارسون فنّ الوهم على أنفسهم، فيبدون لأنفسهم عمالقة، فيحملون كالجراد قشّاً يقاتلون به تنانين السّماء، إنْ هي إلّا نفخة، إنْ هي إلّا صيحة، إن هو إلّا يومٌ قريب. فيا حاسدي، فيا كارهي، فيا مترصّداً بي، اسألْ عن الهرم وريحه، وأسال عن السّرّ وأمره، واسأل مَن رأى ومن شاهد ومن سمع، ولا تُلقِ نفسك في المهلكة، فإنّنا والله لمأذونون، وإنّا والله لمأمونون، لا يخدش منّا جسمٌ، ولا يهدم منّا ركنٌ، وكلُّ منسوبٍ إلينا، أو محسوبٍ علينا آمن، بضمانة اسمها آمنة، وأمّا قتْلانا، فالجنّة نادت سكّانها، وأمّا أسرانا ففي سجن الكاظم وسجن يوسف برهانا، وأمّا مَن كان عطشاناً جائعاً، ظمآنا فأبو الفضل العبّاس يناديه الآن أن أثبت، وأمّا من كانت مبتلاة بفقد وليدها وألمٍ على فقيدها فزينب الصابرة إذ تنظر إلى حسينها شلواً شلواً، وتقول اللهمّ تقبّل منّا هذا الذّبح العظيم ما رأيت إلّا جميلا، تكلّمه وتقول له لا تُرى رغم البشاعة إلّا جميلا، فاصبراً صبراً جميلا. اللهم صلِّ على سيّدنا محمّد الّذي نوّرتَ به قلوبنا، ومحوتَ به ذنوبنا، ونزعتَ به عيوبنا، وحقّقتَ به مطلوبنا ومرغوبنا، صلاةً ترضيك وترضيه، وعلى آلِ بيته حتى ترضى ويرضى، وحتّى نرى منهم رضوانا، صلِّ على مَن جعلتَ خادمهم جبريل ورضوانا. اللهمّ وأنلهم جنّةً ورضوانا، ولقّنهم ولقّنا، وزدهم وزدنا، واجمعنا بهم بلا فصل، جمع الفرع بالأصل، اللهمّ يا ربي، وقِنا كل عُتِلٍّ لعينٍ زنيم وقِنا كلّ حقودٍ لِئيم. واحفظ اللهمّ أرضنا وشعبنا ومَن قادها، ومَن حملَ وِفادها، بكلّ من بشرٍ أرادها، اللهم ارحم شهداءنا في "غزّة" وفي "فلسطين" وفي "دِرنة" وفي "الحوز" وفي "اليمن والعراق". اللهمّ يا ربّ اغفر لهم، وارحمهم، واجعل الجنّة لهم منزلا واجعلنا اللهمّ على عهدهم باقين، واجعلنا يا ربي صامدين، وبارك فينا وفي مريدينا وفي أحبابنا، اللهمّ كثّر الأحباب، وكثّر المريدين، وأعلن راية، محمّدية خضرية مهدوية، تتلألأ أنوارها، وتسطع أسرارها وتُجلى أخبارها، ويُكشف ستارها، ويغلب أوراها، ويُجلى فرسانها، ويظهر برهانها، ويُولّى سلطانها. اللهمّ اجعلنا هادين مهدين، واجمعنا في المهدي بالمهدي، اجمعنا به فيه، جمعَ جمعٍ لا شتات فيه، اجعلنا في عينِ عينه وسرّ سرّه، و قلبِ قلبه، واجعلنا في عينِ عينِ وسرّ سرّ وقلبِ قلبِ آبائه، عينِ عينِ وسرِّ سرِّ وقلبِ قلبِ حبيبك وفاطمتك وعليّك وحسنَيك وأنبيائك وكلّ إمام وصديق وليّ. اللهمّ ربّ العالمين أشهدنا البيعة، سالمين غانمين رافعين رؤوسنا، أشهدنا انكسار عدوّنا، وتولّي إمامنا في الرّكن والمقام، وصلاةً في القدس مع الكرام، ومَحْوَاً ومحقاً للئام. بحقِّ وليّك عبد السّلام، بسّرّ الأسمر، ومن كان معه في سدرة العرش يسمر، اللهم يا رب العالمين، بِسرّ عبد القادر يا حي يا قادر أبلغنا من أمرك الصادر، واجعلنا في بحرك الهادر، وقِنا من عدوّك الغادر، واجعلنا بكرامةٍ لِدنيا نغادر، وقدّرنا على عدوّك إنّك عليه قادر، وإنّا بك قادرون. اللهمّ لا تبلونا بالنسيان بعد التذكّر، لا تجعل في ذنوبنا ما يحجب، ولا في جناياتنا ما يَسْلب، ولا في عَدائِنا مَن يغلب، من أراد سلبنا فاسلبه، ومن أراد غلبنا فاغلبه، ومن أراد ضربنا فاضربه، صلّطْ عليه شُهبا، وأنزِّلْ عليه بلاء، واجعل الدنيا عليه قبرا، ولا تفرغ عليه صبرا، هدّْ اللهم أركانهم وأعمِ شيطانهم، وهدّمْ بنيانهم، وأرِ جهنم عنوانهم، اللهمّ خذهم أخذاً وبيلا، ولا تغادر منهم كثيراً ولا قليلا، خُذهم يا سبّوح أخذ قوم نوح، خُذهم يا مّن له القنوط أخذَ قوم لوط، خُذهم يا ودود أخذَ قوم ثمود، خذهم يا جواد أخذ قوم عاد، خذهم يا مَن لكلّ مُبتلى عون أخذَ فرعون، خُذهم يا جليل، أخذَ الذين أخذتهم بالأبابيل، وارمِ عليهم حجارة وأمطر عليهم حجارة من سجّيل، فلا تغادر منهم إلا قتيلاً يجاوره قتيل، إنّك عظيم قادر قوي مقتدر، كلا لا وَزَر ثم كلّا لا وَزَر، وقعَ عليهم القدر، والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على جدّي وحبيبي، عليك أيّها الأمين، صلّى الله عليك وعلى والديك وعلى قلبك ومقلتك وعينَيك وعلى حسَنَيْك، وعلى كل منسوبٍ إليك ومحسوبٍ عليك يوم خلقك ربّك ويوم جعلك روحاً وبدنا ويوم جعلك في بطن أمّك ويوم جعلك في صُلب أبيك، يوم أنْجَبَتْك أمّك، يوم كنت رضيعا، فطفلاً فيافعاً فشابّا صبيّا، يوم كنت في النشأة ويوم كنت في الغار يوم كنت مقبلا، ويوم كنت مسرورا ويوم كنت مُسريا مُعرجا ويوم كنت إلينا ناظرا، ويوم نلقاك قريبا، وأنت منّا ولنا وبنا حبيبٌ فأكرم بك حبيبا ويوم ندعوك فتجيبَ، وحقّ عليك أن تجيبَ ويوم نجاورك في جنةً لا يحجبنا فيها عنك حجاب، لأنَّ جنّة نُحجَب فيك عنها نرى النّار خيراً منها، وإنّك حبيبنا، بلا ريب، حبيبنا في الغيب، والشّهادة، حبيبنا يوماً، حبيبنا دوماً، حبيب قلوبنا أنت، فَصلّى الله عليك أنت، حيث كنت، يوم أمِنتْ، ويوم آمنت، ويوم لنا أمّنت. السلام عليكم