" إنّ الذي يسمع فصاحة البيان وما ينطِق به اللسان وما يثبُت عليه الجَنان، وما ينبَع من نور سرّ النّبي المصطفى العدنان أصلاً متّصلاً إلى الخالق الديّان الرحمان "
جاء في آخر محاضرة للشيخ الدكتور مازن الشريف "حفظه الله" بيان ختام المرحلة الأولية للدروس البرهانيّة، وهي دروس ومحاضرات هامّة وتأسيسية في علوم الغيبيّات والكونيّات وشتّى العلوم من البرهان والعرفان والقرآن ببرهان واضح وصريح! شرح خلالها مفاهيم وقصص وأحاديث بطريقة لدنيّة خضرية لمختلف الجوانب العلمية والانسانية والطبية والنفسية والعوالم ما فوق الغيبيّة وما بعد الزمنيّة ذات الأبعاد المتعددة والموغلة في التاريخ والقِدم، التي لم يأتِ بها أحد من قبل لعالمنا، لا عالم أو مخلوق لا من الإنس أو الجنّ أو الجان والعدم، وبهذه المصداقية ذات الختم الإلهي فإذ بها من عند الله صافية نقيّة لدنيّة، سلسة غنيّة ثريّة قويّة، ولمن يسأل من أين وكيف؟ نقول مستشهدين بتلك الآية العظيمة لقوله تعالى من سورة النجم:
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى (٤) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى (٧)﴾.
وقد يقول قائل هذه آيات نزلت على النبي محمّد "ص" فما شأن الشيخ الدكتور مازن بذلك؟ نقول يكفيه أنه وارث للنبي ،حارث في علومه، مجدّد لتفاسيره بالطريقة الأمثل والصحيحة وببرهان وتحدّي واثق " قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين".
فالدروس البرهانيّة سمّيت بذلك ومن اسمها الدليل والبرهان وباسمها مكتفية، شاهدة على حجّة وبيان وبلاغة ونجابة وفصاحة وصدق المؤتي بها " فضيلة الشيخ الدكتور" ، وكان فضيلته قد ألّفها وخطّها ضمن كتب وموسوعات تخطّت آلاف الصفحات في كلّ المجالات، وقدّم منها عبر وسائل التواصل الاجتماعية ضمن سلسلة حلقات ودروس برهانية، وصلت حدّ السبعين درساً، قُدِّمَت بشكل متواصل ومتقطّع أسبوعياً حسب الظرف والمرحلة فكانت كافية وشافية لدخول عوالم غريبة وغيبية عن علم العالمين، وما أدراك ما علم العالمين؟ علم كل العوالم بظواهره، وبظاهرة أرضيّة بشريّة غير مسبوقة، قدّمها هديّة في سبيل معرفة الله لأهل الله والباحثين عن الحقيقة الصادقين في قولهم وفعلهم وحسن نواياهم.
علوم نستلذها وندخل أبوابها لأول مرّة بما احتوت من أشياء مدهشة عن عوالم الملائكة والجن والشياطين والحضارات والأساطير، وشرح وتفسير وتصحيح لمفاهيم ومصطلحات القصص والآيات القرآنية، فهل كنّا نتخيّل مثلاً أنّنا يمكن أن ندخل المجهول ونتعرّف عليه، ويغدو معلوما؟
نعم! حصل ذلك بهذه العلوم لصاحبها المعلّم الشريف الدكتور مازن الشريف.
الشيخ الدكتور الموسوعة، عبّر عن أنّها علوم نبويّة خاصّة بالّنبي محمد" ص" وجاء بها النبي منذ قبل الزمان، لكن لم يكن يصلح وقتها الإشهار والنشر بها كلّها في زمنها، فلكل مقام مقال ولكلّ زمان علومه، والنبي وعد بتوارثها من آل بيته، فلا يخلو زمان من ولي يشرح للناس ويقرّبهم من سبل ربّهم بل يسلك بهم ويأخذ بيدهم لطرق الخير والهداية والرعاية، والشيخ مازن ورثها وراثةً وحرثها حراثةً فكانت بصدقٍ استحقاقاً وأحقيّة نسبةً ودماً واجتهاداً.
فمثلاً علم القرين أو الجن أو الشرّ والجهل والسؤال وغيرها الكثير من العناوين، لم تكن إلا لتدحض مَن جاء بها من أهل التضليل والخداع والمشعوذين والمتاجرين بالعقيدة والدين، يفسدون ويفسقون بها وينشرون من خلالها ما يهدم البنيان وليس ما يعمّر ويبني حضارة وحياة الإنسان.
فجاء بأمرٍ وأذنٍ إلهي بِمَن ينطق بها، بصدقها ومعقوليّتها، ويعيدها بمرجعيّتها لخالقها، ولأهل الحق وليس لأهل الباطل فكان السيد الشريف الشيخ الدكتور مازن الشريف.
والدروس البرهانية عرّفها الشيخ عبر محاضرته هذه الأخيرة موجزاً ومع إيجازه ثقل المعاني وكثافة الأفكار حيث قال:
"الدروس البرهانية رهانٌ في بثّ علمٍ لدنيّ غير مسبوق، بِحجج علمية عقلية ونقليّ وكشفيٍة في دمج مستحدث بإذنٍ وفيضٍ ومددٌ وإشراقٍ وتجلٍّ لا يحتاج الأمر في مزيد توضيح! فإنّ الذي يسمع فصاحة البيان وما ينطِق به اللسان وما يثبُت عليه الجَنان، وما ينبَع من نور سرّ النّبي المصطفى العدنان أصلاً متّصلاً إلى الخالق الديّان الرحمان".
موضحّاً أهمّيتها وضرورتها وحتميّتها فيما وصلنا إليه الآن من انقسام العالم لضفّتَين، ما بين التعمية والجهل ومحبّة المعرفة والعلم والتعطّش في ذلك، وما بين الاستكبار والجدل والعنجهيّة البشريّة التي طغت وبغت وسادت ومادت بحضارة مادية وصلتها واستحكمت بها، وعادت بنا بالزمن إلى أقوامٍ جحدوا وغالوا بما خيّل لهم أنّهم ملكوا وصاروا آلهة بل وكّلوا أنفسهم هكذا، وفي الحقيقة ما ملكوا إلا عتوّهم وغلوّهم وإبادتهم، كفرعون وأتباعه وأمثاله.
يقول الشيخ في هذا:
دروسنا البرهانية كانت تراهن منذ البداية على جمعٍ من الناس هم بين الغفلة والبحث المستمر عن دليل عن برهان، عن سطوع نورٍ محمدي بِسرّ أزليّ سرمدي صمدي بأسرار علوم آل بيت النبي وبفهمٍ لدنيٍّ خضري، وبوثيق صلةٍ بأولياء الله الصالحين أجمعين، بعرفانٍ وإحسانٍ وفهمٍ للقرآن وغربيةٍ سليمةٍ لا شوب فيها ولا شيةٍ فيها وببيان فصيح مليح يسمو فوق المديح، من صدرٍ مشروح وقلبٍ منفوح وبثّ روحٍ في الروح.
كنا نعلم أنه هنالك في أقاصي الأرض هنا وهواك قوم عطاشى للمعرفة وأنّ هنالك أمةً عطشى ظمآنةً تتنادى كما نادى ابن زيدون لولّادة بنت المستكفي:
يا مُعطِشي من وصالٍ كنت أقصده
هل لي منك غُلّةً إن صحتُ واعطشي
وكنا نعلم على الجهة الثانية أنّ فرعون وأجناده وأبناء الأصلاب الفاسدة والأرحام الفاسدة يتربّصون كل متربص لأنهم ذرية بعضها من بعض، قلوبٌ تحجّرت وأنفسٌ استكبرت فلا أيعنت ولا أمطرت ولا أقبلت ولا أدبرت ولا قدّرت ولا تدبّرت ثم قتلت، افتُتنت ولا نظرت، فلا فكّرت هؤلاء جُفاء كزبد السيل يتعالى غثاؤهم ومواؤهم وعواؤهم كلّما صدح بالحقّ صادح وتكلّم عن الحقّ متكلّم، وكلّما ظهرت شمس محمديّة علويّة فاطميّة حسنيّة حسينيّة، وكلّما سطع عن ذرّيّة النّبي علمٌ اشتهر وظهر إلا امتلأت قلوبهم غيظاً، ولو قدروا لقتّلونا كما قتّلوا آباءنا من قبل، بل إنّ مجرّد ذكر أنسابنا التي نُشرَّف ونسمو بها بحمد الله وقد أضفنا إليها كما أضافت إلينا وشرّفناها كما شرّفتنا وكنّا لآبائنا فخرا كما كانوا لنا ذُخرا، مجرّد ذلك يدفعهم إلى نعيقٍ ونهيقٍ وكلامٍ غير حقيق، وهكذا يتخبّط الغريق في لجّة المضيق، وهكذا يُلقي نفسه بكلامٍ يقوله عنّا يحسبه هيّناً في نار الحريق، ذلك أنّ الله يدفع عن الذين آمنوا، وأنّه قال: "مَن عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب" وهذا يصدُق على الولي وعلى الذي يخدمه، ونحن لم نبلُغ الولاية فإنّا خدمٌ مخلصون، وما يُدريهم ما بلغنا وما مبلغنا كما قال الإمام علي: تكلّم كي نعرفك! والمرء مخبوءٌ بين أصغَرَيه قلبه ولسانه، كما قال المصطفى! وليتهم سمعوا وليتهم نظروا
ولكن:
ومَن يكُ ذا فمٍ مريض
يجد مرّاً به الماءَ الزلالا
أو كما قال المتنبي، وكذا كما قال الشريف الرّضي:
نظروا بِعين عداوةٍ
لو أنّها عين الرّضا
لاستحسنوا ما استقبحوا
ولا نصدّ ولا ننطق زوراً ولا نخشى فجوراً، إنّما نسطع نوراً ونبهر حضوراً وهذا بِسند موصول ودعاءٍ مقبول ومددٍ من جدّنا الرسول وإمامنا عليّ أبينا سيّد التّقاة الأباة الفحول، وبالحسنَيْن أصحاب النّهى والعقول، وبدرّة التّاج الرحماني السيّدة الزهراء البتول وبكلّ أصلٍ وفرعٍ للنبي، فقد زكّى الله منه الفروع والأصول.
فلنبدأ المحاضرة الذي كلّ حرف فيها قيّم عظيم ذو أهمية فهي جاءت كالعادة منسابة سلسة رقراقة بالحقّ، بالحبّ عامرة وبالبشرى غامرة وبالانذار للأعداء قائمة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما ينبغي الحمدلله، والحمد لله الذي تعالى وتفرّدَ وقهر وحكّم، فهو الفرد الصمد الإله والحمد لله الذي ابتدر الملكوت فأنشاه، واختزل الزمان فطواه وأحاط المكان فحواه والحمد لله الذي خلق الإنسان فأظهره..أخرجه فأبداه، من طينةٍ صنعه وأبدعه وجعله مؤمناً شاهداً يسمع سمْعُه وترى عيناه، وصلّى الله على مَن صلّى عليه الله، شرّفه الله وأعزّه الله وأعزّ به الله سبحانه وتعالى وأذلّ، فهدى به ودلّ.
الحمد لله الذي يقبل العمل مهما قلّ، ويعفو عن العبد إذا ذلّ، ويُقيم المنهاج إذا اختلّ، سبحانه من إله عظيم وغفورٍ رحيم، وملكٍ جوادٍ كريم، اللهمّ إنّا ندخل عليك بالتوسّل بك باسمك العظيم الأعظم، وبأسمائك الحسنى، وبجاه نبيّك سيّدنا ومولانا وإمامنا محمد، وبعبادك المجتبين وأنبيائك المرسلين،وخلقك الطيّبين وملائكتك العابدين الساجدين الراكعين وأوليائك الصالحين وبتيجان كل وأسياد كل آل بيت النبي الغرّ المحجّبين ثم بالرضوان على أصحابه المُجتَبين الذين نصروا هذا الدين وأيّدوا الهادي الأمين ووالوا عليّاً أمير المؤمنين.
أحبابنا الكرام السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، في هذا الدرس السبعون، الدرس السبعون من دروسنا البرهانية، سبعون إسبوعاً على تقطّعٍ أحياناً لغيابٍ أو سفر، أسابيعُ قضيناها في العلم والتنوير تحت مبدأ وشعار قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، ذلك أنّ معركة الجدل البشري التي يجادل فيها أهل الحقّ أهل الباطل، ويجادل فيها أهل الباطل أهل الحق، وكان الإنسان أكثر شيٍ جدلا، تقوم على الحُجة الدامغة والدليل الجلي والبرهان الساطع، وهذه الأدلّة والبراهين لها أذنٌ واعية تصغي إليه، قلوبٌ وأفئدةٌ منوّرة وألباب، أما الذين عَميت ألبابهم وخاب صوابهم فلا يرون في ذلك إلا عنادا وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوّ.
الدروس البرهانية بين الحاجة والضرورة
دروسنا البرهانية كانت تراهن منذ البداية على جمعٍ من الناس هم بين الغفلة والبحث المستمر عن دليل عن برهان، عن سطوع نورٍ محمدي بِسرّ أزليّ سرمدي صمدي بأسرار علوم آل بيت النبي وبفهمٍ لدنيٍّ خضري، وبوثيق صلةٍ بأولياء الله الصالحين أجمعين، بعرفانٍ وإحسانٍ وفهمٍ للقرآن وغربيةٍ سليمةٍ لا شوب فيها ولا شيةٍ فيها وببيان فصيح مليح يسمو فوق المديح، من صدرٍ مشروح وقلبٍ منفوح وبثّ روحٍ في الروح.
كنا نعلم أنه هنالك في أقاصي الأرض هنا وهواك قوم عطاشى للمعرفة وأنّ هنالك أمةً عطشى ظمآنةً تتنادى كما نادى ابن زيدون لولّادة بنت المستكفي:
يا معطشي من وصالٍ كنت أقصده.. هل لي منك غُلّةً إن صحتُ واعطشي.
وكنّا نعلم على الجهة الثانية أنّ فرعون وأجناده وأبناء الأصلاب الفاسدة والأرحام الفاسدة يتربّصون كلّ متربّص لأنّهم ذرّيّة بعضها من بعض، قلوبٌ تحجّرت وأنفسٌ استكبرت فلا أيعنت ولا أمطرت ولا أقبلت ولا أدبرت ولا قدّرت ولا تدبّرت ثم قتلت، افتُتنت ولا نظرت، فلا فكّرت، هؤلاء جُفاء كزبد السيل يتعالى غثاؤهم ومواؤهم وعواؤهم كلّما صدح بالحقّ صادح وتكلّم عن الحقّ متكلّم، وكلّما ظهرت شمس محمديّة علويّة فاطميّة حسنيّة حسينيّة، وكلّما سطع عن ذرّيّة النّبي علمٌ اشتهر وظهر إلا امتلأت قلوبهم غيظاً، ولو قدروا لقتّلونا كما قتّلوا آباءنا من قبل، بل إنّ مجرّد ذكر أنسابنا التي نُشرَّف ونسمو بها بحمد الله وقد أضفنا إليها كما أضافت إلينا وشرّفناها كما شرّفتنا وكنّا لآبائنا فخرا كما كانوا لنا ذُخرا، مجرّد ذلك يدفعهم إلى نعيقٍ ونهيقٍ وكلامٍ غير حقيق، وهكذا يتخبّط الغريق في لجّة المضيق، وهكذا يُلقي نفسه بكلامٍ يقوله عنّا يحسبه هيّناً في نار الحريق، ذلك أنّ الله يدفع عن الذين آمنوا، وأنّه قال: "مَن عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب" وهذا يصدُق على الولي وعلى الذي يخدمه، ونحن لم نبلُغ الولاية فإنّا خدمٌ مخلصون، وما يُدريهم ما بلغنا وما مبلغنا كما قال الإمام علي: تكلّم كي نعرفك! والمرء مخبوءٌ بين أصغَرَيه قلبه ولسانه، كما قال المصطفى! وليتهم سمعوا وليتهم نظروا
ولكن:
ومَن يكُ ذا فمٍ مريض
يجد مرّاً به الماءَ الزلالا
أو كما قال المتنبي، وكذا كما قال الشريف الرّضي:
نظروا بِعين عداوةٍ
لو أنّهاعين الرّضا
لاستحسنوا ما استقبحوا
الدروس البرهانية رهانٌ في بثّ علمٍ لدنيّ غير مسبوق، بِحجج علمية عقلية ونقليّ وكشفيٍة في دمج مستحدث بإذنٍ وفيضٍ ومددٌ وإشراقٍ وتجلٍّ لا يحتاج الأمر في مزيد توضيح! فإنّ الذي يسمع فصاحة البيان وما ينطِق به اللسان وما يثبُت عليه الجَنان، وما ينبَع من نور سرّ النّبي المصطفى العدنان أصلاً متّصلاً إلى الخالق الديّان الرحمان، وما يكون فيه من عظيم حُجّةٍ وبرهان ومن دليلٍ وقوّةٍ وسلطان، يعلم أنّ هذا ما كان له أن يتأتّى لِدعيّ ولا لشقيّ، بل لا يُلقّاه إلا تقي ولا يُؤته إلا نقيّ، إلا وليٌّ يوالي الولي المولى الإمام عليّ، وهذا على مذهبنا الذي نحن فيه وإن كنّا محمديّين فوقه لا يحجبنا تسنّننا عن حبّ آل البيت ولا يمنعنا مذهبنا عن الأخذ من كلّ صاحب مذهب، بل كلّ صاحب دين إذا وجدنا عنده حكمةً لأنّ الحبيب قال: الحكمة ضالّة المؤمن وهو أولَى بها حيث وجدها.
ولا نصدّ ولا ننطق زوراً ولا نخشى فجوراً، إنّما نسطع نوراً ونبهر حضوراً وهذا بِسند موصول ودعاءٍ مقبول ومددٍ من جدّنا الرسول وإمامنا عليّ أبينا سيّد التّقاة الأباة الفحول، وبالحسنَيْن أصحاب النّهى والعقول، وبدرّة التّاج الرحماني السيّدة الزهراء البتول وبكلّ أصلٍ وفرعٍ للنبي، فقد زكّى الله منه الفروع والأصول.
كلامنا معقول ونطقنا مقبول، لسنا ممّن يتّبع كلّ زنيم عتلّ عجول ولا نبالي بأدمغة الحمير والعجول، إنّما ننطق بهذه النّقول ونتكلّم بالحقّ فنقول:
ونحن زهر تجلّى، تبدّى، تزيّن، زيّن في هذه الحقول حقول الله التي أجرى بها من سرّه وأوفى فيها من برّه ولو أن أحداً من المعاندين أجلسناه مكاننا فأكتبناه بياننا وقلنا أعده ما استطاع، لا سجعَ فيه سجعا ولا نفعَ فيه نفعا ولا نقع فيه نقعا، إنّما هو جيفةٌ تسعى لم يصن عهد الله ولا يرعى، وليس إلا كالأنعام التي في المرعى، كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا.
والحمد لله الذي ألقى علينا قولاً ثقيلا أسوةً برسول الله، فإنّ كلمة الحقّ في زمن الإفك قولٌ ثقيل، وإنّ الذين يحاربوننا لا سرقنا أموالهم ولا هتكنا أستارهم ولا أتينا صوبهم بكلمة سوء، إنّما قلوبٌ مريضة وأنفسٌ بغيضة، العلم ثم العلم ثم العلم.
عندما يخرج دعيٌّ يدّعي، وارث لآل البيت نقول: هات برهانك هذا برهاننا علماً وأدباً وشعراً وفهماً بين المعقول والمنقول والكوني والكمّي والطبّي وغير ذلك ممّا بيّنا في سبعين درساً وما كان مع ذلك من تأملات استراتيجية وفكرية ومنطقية وفلسفية وعرفانية وغيرها كثير.
نراه قريباً ويرونه بعيدا، نرى من آيات الله وتجلّيات كلماته ووعده الحقّ
وإذا خرج علينا شقيٌّ يتمشدق بالقول ويقول هذا أنّى له هذا، هذا لم يدرس وليس له أيّة شهادة أقول: وإنّ في لفظي شهادة وإنّ في هذا البيان لشهادة، وإنّ في هذا البرهان لشهادة، وإنّ هنالك شاهدون من أهل التخصص والعلم من ألوف ألوفٍ من تلاميذنا ومريدينا ومحبّينا ومتابعينا يضربون ويضربون على فم كلّ دعيٍّ أفّاكٍ أفّاقٍ، وهذا الله سبحانه وتعالى ينشر راياتنا في الآفاق وهذا القلب إلى سيّد البراق يشتاق، وإلى إمامٍ بالنجف وسيّدٍ في كربلاء وأئمةٍ في بغداد من أرض العراق، وهذه الدنيا تساق في هذا المساق قد أذنت بالفراق والتفّت الساق بالسّاق، نراه قريباً ويرونه بعيدا، نرى من آيات الله وتجلّيات كلماته ووعده الحقّ.
ما يجري في أرض فلسطين الطهر دليل على أنّ الله يشقّ البحرين ويفصل بين البرزَخين
مايجري في أرض فلسطين الطهر وما يجري في غزة الصبر، وما يجري في قلب كلّ حرّ من أحرار هذه الإنسانيّة دليل على أنّ الله يشقّ البحرين ويفصل بين البرزَخين ملحٌ أجاجٌ وعذبٌ فرات، قومٌ كذابون ناقمون مجرمون أو سفلةٌ متبعون للمجرمين أو صادقون أو أتباع الصادقين.
ما نحن فيه سابقون ولا تجدونه في كتاب
ما أردت قوله اليوم في هذا الدرس أنّنا نريد نُجيل وأن نجول فيما كان من دروسنا البرهانيّة منذ مستهلّها بعلم الجهل إلى علوم العالمين وعلوم الزّمن والتكوين وعلوم الكائنات من ملائكتها وجنّها وشياطينها وما كان من حديثٍ حول خطر سحر الملاعين وحول الانسان بكلامٍ عربيٍ مبين وبعلمٍ قويٍّ متين عن جسمه وجسده وبدنه وذاكرته مما نحن فيه سابقون ولا تجدونه في كتاب ولا يوجد في سجلّ ودفترٍ ولا دوّنه من قبل أحدٌ من هذا العالم، لأنّ الله يُبدي في كل زمانٍ على قدر حال أهل ذلك الزمان وليس هذا تسامياً ولا ترفّقاً عن حضرة المصطفى وعن حضرات أسيادنا، إنما تجلّي ومجلىً لنورهم وحضورهم وإرثٌ لدنيّ ربّاني دموي زكي، هذا حقّنا حُقّ لنا ونحن بذلك أحقّاء.
ثمّ كان لنا رحيلٌ في القرين ومعانيه في علم الأخلاق والجمال والمنطق والحجّة، وكذا في علوم الطّب وفنونه مما أذهل الأطبّاء وأدهش العلماء وحيّر العظماء والبلغاء، ثم نطقنا كلاماً مسجوعاً مرصوعاً، بكلّ آيةٍ متبوعاً مشفوعاً نمِرُّ فيه اللسان امرارا ولا تكرره تكرارا ولا نُصرّ عليه إصرا واصرارا، إنّما يكون كالبحر الذي يقدّم من أمواجه وكالسّرّ الذي يبدو في انبلاجه وكسموّ الروح في مسرى الله ومعراجه، وكسرٍّ من النبي ونوره وتاجه وشفائه وعلاجه.
كلام ليس فيه تشدّقات بل هو ديدن الأنبياء من قبل
هذا الماء الثّجّاج وهذا الشرع والحقّ والمنهاج يلهج به مَن صدّق ويتبعه من وعى بقلبه وسمع بلبّه ويصدّ عنه من مرض ذوقه وانعدم شوقه، فإنّ الذي لم يحرّكه ذوق ولم يدعمه شوق لا يرتقي إلى فوق وإلى فوق ما فوق، ومَن ظنّ هذا الكلام تشدّقات أفواه قلنا له إنّ هذا ديدن الأنبياء من قبل، نحن ذكرنا بنور الله، تكلّمنا في العقيدة تنزيهاً، تكلّمنا في الشرف النبوي وفي آباء النبي وفي آل بيت النبي، ومن لم يعجبه ذلك هو شقيّ! وتكلّمنا في الصالحين ومَن يبغض الصالحين فهو محجوبٌ محرومٌ ظالمٌ لنفسه مظلوم ظلمته شياطينه وظلمته نفسه " وما يظلمون ولكن أنفسهم كانوا يظلمون".
جزى الله خيراً تلاميذنا وننتظر منهم تدوين المجلّد الثاني من الأربعين إلى السبعين
هكذا نبلغ الدرس السبعين، سبعون درساً ممتعاً ماتعاً مع ما كان من دروس أُخَر جزى الله خيراً تلاميذنا الذين دوّنوا من الدرس الأول إلى الدرس الأربعين وننتظر منهم تدوين المجلّد الثاني من الأربعين إلى السبعين حتّى نتمّ المرحلة الأولى التأسيسية للدروس البرهانية، سيعقبها مرحلة ثانية تدوم بحمد الله وعونه عامَين أيضاً فيها تكوينٌ مستمرٌّ لأهل البرّ كوّن فيه علماء وصلحاء وحكماء وفقهاء وينأى عنّا تعساء ونكداء، إن أعنّا كلّ حقودٍ جحودٍ كنودٍ حسودٍ ويبقى ما يبقى مما أراد الله له أن يبقى.
الدروس البرهانية رحلة ممتعة، لا أريد إمّعة يتبعني
الدروس البرهانية رحلة ممتعة، لا أريد إمّعة يتبعني على غير وعي أو منبهراً ينبهر لأنك إن انبهرت أو اتّبعت أمّعة لا تستطيع أن تفهم أو تبقى تدافع، وإنّ المحبّ الذي يحب دون أن يدافع عن محبوبه، والتلميذ الذي لا يدافع عن معلّمه، والمريد الذي لا يبيّن ما بيّن له شيخه، هذا يدخل في خُرْسٍ يصله بالشياطين، لأنّ الصامت عن الحقّ شيطان أخرس.
وعلى ضفّةٍ أخرى لا نجيب النُباح بالنباح والمواء بالمواء والعواء بالعواء، أبداً! لا نسبّ مَن يسبّوننا ولا نشتم مَن يشتموننا، نردّ بِرقيّنا، نردّ على مقامنا كما تكلّموا على قدر مقامهم، وإنّ الكلام يُبدي المقام وإنّ مَن أصيب بمرض الكراهية مضى في داهية، وما أدراك ماهي؟ نارٌ حامية!
وكذا نرجو مراجعةً لهذه الدروس على مستطاعك، ونرجو في هذا الدرس اليوم أن نسمع منكم ما استفدتم به، وأن يختار الواحد منكم أن يتكلم عن شيءٍ من هذه العلوم والمعارف، وأن يتكلّم عمّا استفاده من الدروس البرهانية والتأملات الفكرية والعرفانية ودروس الفتح المحمّي وبقيّة المحاضرات والمقالات وهي بالآلاف، وليت الذين يسبّون قرؤوا لنا مقالاً واحداً، أدركوا منّا كلمةً واحدة، فهموا عنّا لفظاً واحداً، بل يتعبهم الموسوعيّة والموسوعيّة قامت على أمرين: سعةٌ من عند الله سبحانه وتعالى يزيد بسطةً في الجسم والعقل وكذا توفيقٌ من الله بما يجعل لنا في سابق الأيام والأعوام من متابعةٍ ودرسٍ وبحثٍ وتقصٍّ وسفرٍ كثير.
حي هلا بالأحبّة، حي هلا بالصادقين والثابتين
فحياكم الله جميعاً، حي هلا بالأحبّة، حي هلا بالصادقين والثابتين ولا عدوان على أحدٍ منا، نحن قومٌ لا نعتدي ولا نسيء ولا نتكلّم بالسوء، نقف في موقف الحقّ، فمن أراد أن يسمعنا فليسمع، مَن أراد أن يناقش بحكمة وبعلمٍ فليفعل، أما مَن أراد غير ذلك ينأى عنّا وننأى عنه، لأنّ سيدي الشيخ ابراهيم الدسوقي قال:
سهامُ الحقٍ صائبةُ المرامي إذا وُترت بأوتار الخشوع
يصوّبها إلى المرمى رجالٌ يطيلون السجود مع الركوع
بأفواهٍ تهمهم في ….دعاء وأجفانٍ تفيض من الدموع
إذا أوترنا ثمّ رمينا… سهماً فما يُغني التحصّن بالدروع
المرحلة القادمة ستكون مرحلة علمية بشكل أقوى
جزاكم الله خيراً، كان هذا مختزل ما أوردناه، المرحلة القادمة ستكون مرحلة علمية بشكل أقوى بحول الله وتكون دروس ودورات تكوينيّة في مجالات كثيرة، وسوف نفتح مزيداً من هذه الخزائن ومن ظنّ أننا قد أعطينا كل ما نملك يجهل علوم آل بيت النبي، يجهل إرث الصالحين، يجهل المعارف اللدنية.
لم أقف يوماً وأقول وأنا المفكر الاستراتيجي البارع في العلوم العسكرية والحربية لأقول أنّي شيخ الطريقة الخضرية أو لألبس هذه الجُبّة وهذه العِمامة وأنا واهمٌ في نفسي أو موهمٌ بالناس، لست من تصوّفي الكذب والإفك والإدعاء ولا من تسنّني النصب والجفاء ولست أوالي في هذا إلا الحق، ولا أنطق في هذا إلا بالحق، يصدقه أهل الحق بالحق وينأى عنه أهل النأي عن الحق.
إذاً على بركة الله لكم مجال للكلام إن شاء الله حول ما استفدتم به من هذه الدروس، وللافاضة وننهي عند هذا الحدّ.
سنستمرّ في دحر افتراءات المفترين
السلام عليكم، وإلى الاسبوع القادم أو الذي يليه، لننطلق على بركة الله بالمرحلةِ الثانية من الدروس البرهانية ومن دوراتنا التكوينية المكثّفة، التي نكوّن فيها للنخبة المُجتَبَاة ممّن ارتضى لهم الله ذلك، وكذلك سنستمرّ في دحر افتراءات المفترين، وفي إغاظة قلوب الظالمين ليغيظ بهم الكفار وننأى عن الكفر؛ حجب الحق، مثل المزارع يكفر الزرع بالتراب أي يخفيه، والذين يخفون الحقّ نقول لهم شموسنا قد سطعت وسيوفنا قد لمعت والحق قد ظهر و إن كنّا من قبل وقلنا أنّنا في حرب وهي حرب حقيقيّة بالمعرفة بالقيم بالأخلاق، على كل مهدّم للأخلاق، على كل محارب للحق، على كل مفتري، على كل إنسان سطحي وعقيم، هؤلاء منتجات الفكرالعقيم ومنظمومة كاملة من المدة العمياء، نحن بحول الله نهدم ذلك حجراً حجراً، ونقيم الحجّة حتى يظهر الحجّة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة بفضل هذه العلوم
وفي الختام نقول وقد طلب منا الشيخ رأياً بالدروس وماذا استفدنا منها وماذا أضافت لنا، بكل تواضع نختصر القول:
بأنّ هذه العلوم نقلتنا من الظلمات إلى النور، ووسعت بنا رحب السماوات صدورنا، وأخذتنا إلى عالم السعادة وعزفت على قلوبنا أنغام الذوق ومعاني الشوق لربّ عظيم ونبي كريم وأنبياء كثر وعظماء وصالحين ونجباء وكرماء، أخذتنا للضفة الأخرى لعالم النقاء والصفاء والضياء والعلم والزهور والعطور، عالم الزهراء البتول سيدة النور… وإلى جنائن عامرة بمحبة الحياة وأناشيد رحلة الإنسان الخارق والجميل على الأرض القوي بالإيمان، المبتعد بمعرفة وحنكة عن الشيطان….
علّمتنا الكثير وتوعدنا بالأكثر… فهذه خمائل وأنهار الكوثر.
وبارك الله بحامل وناقل هذه العلوم، نقدّر جهده ونعلم مدى ثقل حمولته، ونعظّم قيمته وندعو ببركته، وصلى الله على سيدّنا محمد وآل بيته الطاهرين وعلى جميع الأنبياء والأتقياء والأولياء والمرسلين.