"بمناسبة ذكرى مولد الشيخ الدكتور المعلّم مازن الشريف"
وَقَالُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ مَلَكٞۖ وَلَوۡ أَنزَلۡنَا مَلَكٗا لَّقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ (8)
وَلَوۡ جَعَلۡنَٰهُ مَلَكٗا لَّجَعَلۡنَٰهُ رَجُلٗا وَلَلَبَسۡنَا عَلَيۡهِم مَّا يَلۡبِسُونَ (9) - صدق الله العظيم
- سورة الأنعام -
رجل بسيط يجوب الصحاري ويسبح بشساعتها.. وراسخ كالجبال شامخ ينظر لله كثبات شموخها وكالبحر يسرّ الناظر إليه من الشّطّ لكنّه لجّي عميق كمحيطات أرضها وبطنها...
رجل نتابعه من كل الأماكن والاتجاهات وربما نظرنا إليه كدرويش حين يلبس العباءة ويتجوّل ينادي الشّجرة ويراها وليّة ويشرح عن النبات، ومتجول سائح عادي حين يلفته منظر في الطريق ويقول بلداننا جميلة انظروا لهذا الجمال! وشاعر صامت لا ينتبه إليه أحد إلا مَن كان من ذات الوجدان فيأسره مخاطبته لروح الطبيعة وروح الأشياء وروح المعاني ويرى معه عصفور خاصّة حين يقول انظروا لهذه العصافير...!
في الشرق والغرب والشمال والجنوب يجمع الاتجاهات ويشمل علم السماوات وهو على الأرض.. قد يذهب رحلة معراج وهو من مجلسه وربّما بِحنكتك وصفائك يا عزيزي الإنسان بإمكانك أن تعلم به وتذهب معه قليلاً تقترب ممّا يقترب ولو للمح النّظر... ويتابع هو يطرق السماوات يجول الطبقات تنفتح له الأبواب، يلتقي الأرواح ويعود بسيطاً مثلنا كأنه لم يكن... ماهذا الرجل المعجزة...؟ الإنسان الخارق بكل المقاييس...! تشعره صغير وحين تقتنع تراه اتّسع وتوسّع في دائرة الحقيقة مخترقاً نظرك ورؤاك....
هذا الرجل المحمدي...
رجل بسيط يتكلم بمنطق يفهمه جميع الناس... يتلوّن بمحبة ودفء مع كل اللهجات.. يفتح آفاق القلوب بمفاتيح خفية غير مرئية لكنها تبدو للعيان أدوات بسيطة.. لا يشعر بها إلا خبير بعالم الأبواب المغلقة ولكن يدخل ويخرج منها كل عابر وكل عالم وكل كائن هداه طريقه إليه... ليجد نفسه في فسحة وأمان يشعرها دون أن يدركها... أما العالِم فتتبدل أحواله إلى حيث معرفة الله به ويدرك سره ويفهم برهانه ويعلم أنه إنسان غير بسيط وهذا المتواضع يخبّئ داخله جبلاَ من العظمة وبحراً من الرقة وغابات من المعرفة وكهوفاً من الأسرار الجميلة... هذا البسيط الذي لا يلفت الأنظار ولا يحاول إثبات ذاته بل إثبات ذات الله به هو التواضع وقد لبس حلّته على الأرض وغدا رجلاً ليعلّم الناس أسلوب التعامل مع الله في الأرض وكيفية التفاعل مع المخلوقات دون كذب أو رياء و وبفهم وعلم ومحبة خالية من الاستعلاء.. ليعطي لبني آدم درساً في السلوك وآداب العيش والتصرف على أرض يشارك الإنسان في رزقه وعياله وفكره ونفسه ذاك الشيطان المستعلي الرجيم..
ذاك الإنسان البسيط؛ المعلّم مازن الشريف هازم الشيطان الأكبر بتجاهل تام... فقط بِسَيره وسيرته مع الله وحده دون وسواس أو خنّاس..
لطالما أتقن فنون الشيطان لكنّه لم يعمل بها ولم تهف به نفسه ليرمقه بطرفة عين... بل سار بنور الله يرمق عين الله بعين الله وعونه...
ذاك الشهم الذي أغناه كنزه الداخلي بعشق الله عن كنوز الأرض وعطايا الخبيث المتأبلس بكل فكرة ومتاجرة بقي نقياً طاهراً لا يرغب بِمُلك ليس له ولا يأخذ مالاً لم يتعب به..
هذا العام تأمّلته كرجل بسيط مبهم لكنّه واضح جميل يُخفي تحت حلّته الظاهرية البسيطة كلّ جلال العظمة المختبئة التي تبدو وتظهر كشروق الشمس في الصباح لا تخيف الناس.
لهذا الرجل البسيط المتواضع نقول له في عامه السادس والأربعون وذكرى مولده... مولود البساطة والسّرّ والعظمة.. كل عام وأنتم بألف خير وحلّة جميلة تبدّل حلّتها مع نهاية كل عام لمولدكم وبدايتها بحلّة أجمل وأعظم.. ودمتم كما يريد الله لأمره.. ويا هنيئاً لمن اختاره الله لتواضعه ونزع منه نزعات الشيطان ونزغاته وعمله... فكان عمله وهيأته وحلّته ومكنونه وظاهره وباطنه صافياً لله وحده... ماشياً بسيرته كما يشاء الله وأراد له.. على عينه وبعينه.. ليلقي عليه محبّة منه كما ألقى على من قبله من المنتجبين الأخيار .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
