مدد يا حب.. ولقاء المحبة والصفاء للشيخ الدكتور مازن الشريف مع الشيخ الدكتور سراج الدين بن عمر الزيلعي القادري الشافعي الحسيني بحديث جميل عن السالك المريد
اعتدنا من حضرة الشيخ العلامة الدكتور مازن الشريف أن ننعم بمجالس علم وأنس ومحبة، إذ يلتقي بالصالحين ويصحبه أهل الله والذوق والعرفان والشوق، ليقدم لنا من كل صنف معرفة لون وطعم يطيب لإذن وعين وقلب العاشق المتلقّي الباحث عن الحقيقة، فينال من معاني الفيض والمدد الرباني الرحماني العظيم ويتصل بأهل الوصال والمقامات العلوية ينهل مما عندهم ما استطاع إليه سبيلا.
فمن خمرة مدد يا حب وسكرة أهل الله عن المريد والسالك في درب الله وعن آداب التلميذ مع معلمه وشيخه وسلوكه وعن أخلاقه التي يجب أن يتحلّى بها في طريقه الصعب المحفوف بالصبر والتحمّل والقدرة على الجلد يحدّثنا الشيخ الدكتور مازن الشريف فاسحاً المجال لصاحبٍ كريم وابن عم شيخ سيد سَمِح جليل استضافه بالرياض في المملكة السعودية فأضفاه في هذا المجلس كرماً علينا يعرّفنا إليه ليحدثنا هذا الشيخ عن ميزات أهل الله وكيفية الوصول إليهم والسلوك معهم.. كي نصل بأمانٍ وأصولٍ إلى درب الله،
يتحدث الشيخ سراج بإسلوب سلس رزين يتخلله الحب ويعتنقه الهدوء، ويعبق بالمحبة دلالاً ووصالاً وجمالاً.. يسرج لنا من نوره ما يضيء عتمة السالك ويريح قلب المشتاق.
فدعونا نغرف مما علمونا وننعم مما أعطونا ونحاول أن نأخذ بما نصحونا عن ماهية الآداب الرحمانية العظيمة التي يجب على المريد التحلّي بها.
الشيخ مازن الشريف :
بدايةً استهلال وتقدمة للشيخ مازن الشريف بكلمات قال فيها وعرّف من خلالها:
- نحن ما زلنا في خمرِ وسكرِ مدد يا حب، وعلى وقع المدد الحبّيّ، فيكلمنا الشيخ الليلة عن آداب المريد، وعن آدابه في سلوكه مع شيخه، وعن هذه الآداب العظيمة الرحمانيّة التي على المريد أن يتحلّى بها.
حياكم الله جميعاً، ما شاء الله، تفضل شيخنا سراج الدين أَضِئْ لنا سراج الدين.
الشيخ سراج الدين :
الشيخ سراج الدين: لازلنا في معاني الحب نتقلّب في حضرة جناب مولانا الشريف مازن، وبتشريفه لنا في مدينة الرياض العزيزة..
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله عليه وعلى آله وصحبه أفضل صلاة وأزكى سلام.
وبعد.. أيها الأحبة الكرام، لازلنا في معاني الحب نتقلّب في حضرة جناب مولانا الشريف مازن، وبتشريفه لنا في مدينة الرياض العزيزة، ووجوده معنا ومع محبّيه ومريديه تتجلّى معاني الحب الحقيقية التي لمسناها منذ اللقاء بالأمس "البارحة"، ونحن في رياض الأنس والحب نتقلّب، فجزى الله مولانا الشريف مازن خير الجزاء إن كان سبباً في اجتماعنا ووجودنا في هذا المكان الطيّب المبارك لأهله وحقيقة في مسألة السالك أو المريد الذي يريد السلوك والوصول إلى الله عزّ وجلّ.
الصدق:
-هناك مسألة مهمّة جدّاً، في أول الأمر لابد أن يكون هناك شيئاً من الصدق، والصدق لابد أن يكون خالصاً لله سبحانه وتعالى.
معرفة النفس ماذا تريد:
أنت ماذا تريد؟ اسأل نفسك هذا السؤال، ماذا تريد عندما تريد أن تكون سالكاً مريداً لله ولسيّدنا رسول الله.
إذا عرفت ماذا تريد فابذل لهذا المراد أسبابه التي تكون سبباً في وصولك إلى حضرة الله وحضرة سيدنا رسول الله.
أشياء يجب أن يعرفها المريد:
-هنالك أشياء لابدّ أن يعرفها من أراد هذا الشيء أولا، نحن نقول دائماً لكل مَن أراد الوصول، لابدّ أن:
التحلّي والتخلّي:
-تتحلّى وتتخلّى.
-لابد أن تنقّي نفسك من الصفات الرذيلة، الرذائل التي علقت بك في حياتك الدنيويّة بأسباب كثيرة.
الأخلاق الفاضلة، والنبي محمد أسوة حسنة:
-وأن تتحلّى بالأخلاق الفاضلة؛ الأخلاق الحسنة التي حثّ عليها ربّنا عزّ وجلّ في كتابه العزيز، وحثَّ عليها سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قدوتنا الذي قال الله عزّ وجلّ في حقّه: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر؛ فَمَن كان متّخذاً سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسوة حسنة فليمتثل أوامره ظاهرة وباطنة وليجتنب ما نهى عنه أيضاً.
ثم في وقتنا الحاضر هناك مَن ورث من هذا المعين الشافي ومن المنبع الصافي من لدن سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى يومنا هذا، وهم يرثون أنواره صلّى الله عليه وسلّم.
أمران مهمان في طريق السالك:
فهنالك أمران في هذا الطريق لابدّ أن يعرفه:
- نريد الله ونريد سيّدنا رسول الله.، أن يكون هدفه الوصول، وهذا الوصول لابد له من شروط.
معرفة الأنبياء:
أوّلاً: نحن نعرف أنّ الأنبياء هم واسطتنا بيننا وبين الله عزّ وجلّ، وورثة الأنبياء هم كذلك بعد الأنبياء، فلذلك الله سبحانه وتعالى في كلّ وقت وفي كلّ عصر يضع أناساً يحملون مشاعل النور التي اكتبسوها من الحضرة المحمّدية المصطفويّة، فهم عندما أخذوا من هذا المعين الصافي لابد أن يضعوا لمساتهم وبركاتهم وأنوارهم في أماكنهم التي هم فيها وفي أزمنتهم، فعندما تريد أن تصل عن طريقهم لابدّ أن تعرف تلك الشروط التي لابدّ أن تضعها بين عينيك.
هنالك من يضع شروطاً يريدها في بعض أهل الله:
-أن يكونوا كسحرة فرعون والعياذ بالله! أو أن يكون
هؤلاء الوراث معه عصا سيّدنا موسى، يقولون للشيء كن فيكون، وهذا نقول له من البداية: أرح نفسك، أرح نفسك.
الطريق التزام واستقامة:
-هذا الطريق يا أحبابي الكرام طريق التزام، طريق استقامة، طريق مَن أراد أن يعرف الله ورسوله،
فليلزم الأدب في هذا،
أن تلتزم بشريعة الإسلام ظاهراً وباطناً، شريعة يعقبها طريقة ثم تتلازمان حتى تصل إلى حقيقة، هذه الشريعة،
والطريقة وهي أن تعبد الله كأنك تراه فإنك، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
الطريق ليس مصالح مادية:
نقول لهؤلاء الذين يبحثون عن المصالح إما مادية أو يعني دنيوية فنقول لهم: هذا الطريق أولاً ينافي كلّ هذا الشيء،
فأرح نفسك.
الله سبحانه وتعالى يعرف ما في في البواطن، فأنت مكشوف في هذا الأمر.
طريق الله طريق قلوب:
-طريق الله وطريق أهل الله طريق قلوب، فراقبْ قلبك قبل أن تراقب جوارحك، فعندما تراقب قلبك فلتعلم أن هذا الطريق ليس شيء من الأنا ولا فيه شيء من الحظوظ النفسية.
عندما نقول مَن أراد المنفعة أو أراد المصلحة فليبحث عند غير هؤلاء الناس لأنهم لن يعطونك شيئاً من البداية وإن كانوا هم أهل كرم وجود، لكن هذا الطريق يا أحبابي طريق النوايا، إن صدق الانسان في نيّته وصل بها ما لم يصله أحد آخر.
الطريق طريق صدق ومجاهدة:
سيّدنا سفيان الثوري يقول: جاهدت نيّتي أربعين سنة حتى أصلحها! فالله الله يا أحبابي الكرام في إصلاح النوايا، والله سبحانه وتعالى لا يكلّف نفساً إلّا وسعها، لا يكلّفها إلا وسعها فاصدق مع الله سيصدق الله معك، سيوصلك الله إلى مَن يوصلك إلىى الله ويدلّك على الله، ولكن حتى تجد هذا الشخص
لابد أن تكون صادقاً يا حبيبي حتى تكون واصلاً أو متّصلاً بهم بعد ذلك فلا نرجو منهم شيء من حطام الدنيا ولا ننظر إليهم أنّهم يقولون للشيء كن فيكون، ولا تنظر إليهم أنّهم بيدهم مقاليد الأمور فهم بشر مثل غيرهم من البشر لكنّهم لا كالبشر كما قال الله عزّ وجلّ: (ألا إنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون).
الطريق لله طريق بذل وتضحية وإيمان وتقى:
- الذين آمنوا وكانوا يتّقون فهؤلاء الأولياء الذين اصطفاهم الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لأنّهم آمنوا واتّقوا، بذلوا، أنت في السير إلى الله لابدّ أن تبذل، لابدّ أن تبذل، بعضهم يريد الشيخ أو الأستاذ المربّي أن ينتشله من أوحال الشرك والمعاصي إلى بحر التوحيد والحقيقة، لا شك، لا شك لو أراد الله "وإن من عباد الله من لو قال لشيء كن فيكون".
إصلاح النفس وعقد النيّة على ذلك:
لكن السؤال هو الذي لابد أن تعرفه، لابد أن تصلح من نفسك اولاً، وأن تكون عندك النيّة في إصلاح هذه النفس اللوّامة والأمّارة والطمّاعة، فلا بدّ أن تبذل الأسباب في ذلك حتى تقطع على الشيطان أو القرين الوصول إلى ذاتك، وصرفك عن طريق الله وأهل الله.
هذا الأمر يعني نقوله دائماً ونكرّره، والحمد لله، هناك من يعي هذا وهناك من لا يستوعبه أو لا يعيه حقيقة.
الدعاء والتّضرّع على نيّة التوفيق والرشد:
عموماً سرْ يا مريد على بركة الله واصدق مع الله، واجعل الله عزّ وجلّ نصب عينَيك، وتوكّل على الله حقّ توكّله والجأ إلى الله بالدعاء والتضرّع إلى الله أن يوفّقك، وأن يرشدك إلى من يدلّك عليه وعلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
لا تأخذ دون أن تعطي:
-ثم هنالك من رأيناهم من المريدين أو من السالكين إلى الله عزّ وجلّ يريد من الطريق كلّ شيء وهو لا يعطي الطريق أو يريد من هذا الأمر أشياء.
راقبْ قلبك وأفعالك:
يعني قد لا يظنّ أنّها هي سبب صرفه عن هذا الطريق، هذا الطريق عندما نقول هو طريق قلوب إنك عندما تريد أن تسلك هذا الطريق فقلبك مرآتك، فما تخفيه في نفسك فهو مكشوف، فكما يقولون أهل الله عند الصالحين، راقبْ قلبك، وعند أهل الدنيا راقبْ أفعالك وتصرّفاتك، لأنّ أهل الدنيا يرون ظاهرك، وأهل الآخرة فإنّهم يرون ما في باطنك ويرون ما في داخلك.
الأدب أساس الوصول:
إذاً هذا أمر، الأمر الآخر: الأدب. كما قال أهل التربية والسلوك: من لا أدب له لا وصول له. وبالأدب تنال الرتب، هذه مسألة لابد منها أن الأدب مع الله عزّ وجلّ قبل كلّ شيء ظاهراً وباطناً، ومع حضرة سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأنه حيّ، حيّ في قلوبنا، ومع أهل الله الورّاث المحمديين، فعندما تلتزم الأدب الظاهري والباطني معهم فإنّهم سيعطونك هم، سيعطونك ماذا؟ سيعطونك الله أعلم كلّ ونصيبه في صدقه وفي سلوكه الذي هو فيه من صدق أو غير ذلك.
غسل الظاهر والباطن فالطريق شريعة وطريقة:
ثمّ بعد ذلك سيّدي الحبيب أبنائي الكرام علينا بغسل ظواهرنا وبواطننا بظاهر الشريعة لأنّ هذا الطريق يا أحبابي الكرام هو شريعة وطريقة، فمن يريد السلوك والوصول إلى الله بدون هذه الشريعة فهو واهم، وقد قلنا بالأمس مقولة سيّدنا الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه عندما قال: مَن تصوّفَ ولم يتفقّه فقد تزندق، ومن تفقّه ولم يتصوّف فقد تفسّق ومن جمع بينهما فقد تحقّق، والتحقّق هنا له معاني كثيرة، لا نتكلّم بها في هذه الجلسة إن شاء الله في مجلس آخر لكن علينا أن نعرف بارك الله فيكم أنّنا نسير في الطريق إلى الله على جناحي الشريعة والطريقة.
كثير من علماء الإسلام تجدهم في تراجم الطبقات يقولون فلان ابن فلان مثلاً الشافعي أو المالكي أو كذا كذا القادري
أو الشاذلي أو النقشبندي أو أو إلى آخره فكان أغلب علمائنا من أهل الشريعة هم أهل طريقة إلى وقتنا الحاضر.
السالك لا يجوز أن يقع في المحرمات:
كثير منهم يجمعون بين الشريعة والطريقة لأن الشريعة نجاة وهذا ما كرّره وركّز عليه سيّد الطائفة أبو القاسم الجنين ومَن تبعه من أئمة هذا الطريق، لابد من الشريعة، كيف يكون إنساناً متصوّفاً أو سالكاً إلى الله وهو يقع في المحرمات أو في الكبائر؟ أقالنا الله وإياكم لابدّ ان نكون أصحاب طاعات وعبادات، فعند ذلك نكسر حدّة هذه الشرائع التي يأخذها بعضنا بحروفها دون روحها، نكسرها بالطريقة لأنّ الطريقة تنقية تصفية تخلية تحلية.
الأنا تجلب العنا:
-في طريقك إلى الله تبدأ بالأنا وتجرّد الأنا، قد قال سيّدنا الإمام الرفاعي الكبير رضي الله عنه الأنا، هل أنا؟ يعني كما يقال تجلب العنا، وكما قال رضوان الله: عليه لا تبلغ درجة اليقين حتى تذبح الأنا، فعندما يعني تسيطر على هذه الأنا، وهذه النفس فأنت عند ذلك حرّ ملكت نفسك وتديرها وتسيّرها
وتسوقها في في بحار ظلمات هذه الحياة.
السير إلى الله لا يعني التقوقع على النفس:
أيضاً أحبتي الكرام مما نراه في أبنائنا الذين يعني يريدون الوصول الى الله أو السالكين، يعني بعضنا مقصّر جدّاً في أشياء لا يراها من الأشياء التي تؤثّر في سيره إلى الله
كمثل بعض الأعمال التي يعني فيها نفع متعدّي، يعني من كان سلبيّاً متقوقعاً على نفسه، فنقول له انتظر قف مكانك
لابدّ أن تكون محبّاً للآخر، لابد أن تتمنّى الخير للغير كما تتمنّاه لنفسك كما قال صلّى الله عليه وسلّم:
"لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّه لنفسه".
حبّ الخير:
فبارك الله فيكم، يعني أذكّر نفسي وأذكّركم أيضاً بأن نتّصف لهذه الصّفة، أن نكون محبّين للخير الذي يصل نفعه المتعدّي إلى الغير، من كان بهذه الصفة سيعطيه الله ما لا يعطيه الآخرين. يعني الأنانية الزائدة، هذي من الأنانية أو من السلبيّة الذي لا يتمنّى أن يصل النفع للآخرين.
وجوب البعد عن الحسد والحقد وجلد الذّات:
نقول في طريق السلوك، نقول أنّ الحسد الحقد الكره البغض الأشياء هذه الأمورهذه أشياء نحذّر منها فكيف نتّصف بها، فكيف نريد أن نصل إلى الله ونحن في هذه العوائق التي تعيقنا في طريقنا إلى الله عز وجل، أيضاً يا أحبّتي أبنائي الكرام، عندما نقول أنت سالك وسائر إلى الله عزّ وجلّ، فأنت مطلوب يعني بعض أبنائنا نراهم، يقول أنا لم أر النبي صلّى الله عليه وسلّم، أنا لم أر الوليّ الفلاني، ألم، فأنا فيّ ما فيّ من الذّنوب ويجلد ذاته حتى يخرج من السير إلى الله وهذه من الأخطاء التي رأيناها حقيقة.
لا تطلب شيئاً لا تطيقه:
يا سيّدي الحبيب: أنت قد لا تطيق رؤية النبي صلّى الله عليه وسلّم أو رؤية أحد من الأولياء فتصيبك جذبة فينفصل عقلك عن جسدك، فالله عزّ وجلّ أعلم بحالك ومقامك حيث أقامك الله عزّ وجلّ فلا تطلب شيئاً، قد لا تطيقه إن طلبته ولم يأتيك
فاعرف أنّ الله سبحانه وتعالى هو مَن يختار لك الخير في ذلك وليس هذا قصوراً في حقّك.
هناك من الأولياء مالم يروا النبي:
نعم نعم نقول أن ليس كل من لم يرَ النبي فهو ليس من الأولياء، هناك من الأولياء مالم يروا النبي صلى الله عليه وسلم لا منام ولا يقظة هل هذا ينقص من قدرهم عند الله عزّ وجلّ؟ لا لذلك نقول في هذه العجالة علينا ألا نفتح باباً للشيطان وألّا نجلد ذاتنا جلداً يجعلنا نيأس من رحمة ربّنا عزّ وجلّ، هذه من الأمور التي رأيناها أيضاً من الأشياء التي رأيناها أحبّتي الكرام، يعني عندما نأتي إلى كثير من الناس يظنّ أنّ التصوّف هو تبتّل، وهو يعني ترك الدنيا وانقطاع.
الصوفي الحقيقي لا ينفصل عن واقعه:
لا الصوفي الحقيقي أو الإنسان المتصوّف الحقّ الحقّ لا ينفصل عن واقعه، هو يعيش الواقع ويعيش الحاضر، ويعيش بين مجتمعه ويتقابل، ويعني لا ينفصل عنهم أبداً بل تجده في كل خير يبادر وعن كلّ شيء شرّ يكسر.
لابدّ أن نتفطّن وأن نتعلّم هذه الأمور حتى نعرفها، أنا أتمنّى مولانا أن يكون هناك مجلس آخر يكون ونتكلّم فيه عن بعض
مثل هذه العوائق أو العلائق التي تؤثّر في سير المريد إلى الله عزّ وجلّ، لأن هذه حقيقة تحتاج منّا معرفة واطلاع، يعني بعضهم يقول دخلت في التصوّف زادت عليّ البلاءات وكثرت عليّ النحوسات وكثر عليّ الكلام كثير.
نقول له يا سيدي الحبيب:
طريق الله وطريق أهل الله مشروع أولياء والأولياء عرضة للبلاء، ولن تصل ولن تترقّى حتى تمرّ بمراحل تؤثّر في حياتك إمّا سلباً أو إيجاباً، فتكثر عليك هذه الابتلاءات، اختبار من الله عزّ وجلّ، ولن يكون الوليّ وليّاّ كما يقول مشايخنا حتى يُعادى من أقرب الناس إليه.
فلا تستغرب عندما تعاديك الزوجة، لا تستغرب عندما يعاديك الأخ الصديق، الأب، الأسرة أو أو إلى آخره، فقدوتنا عليه الصّلاة والسّلام عندما بدأ في طريقه ومشروعه عاداه أقرب الناس إليه، فأنت مَن أنت يا حبيبي؟ فاصبر وتجلّد وكن قويّاً
وهذا طريق الأقوياء ليس بطريق الضعفاء! مَن تهزّه كلمة
أو يضعف عند لقمة عيش أو أو أو ما إلى ذلك فلن يصمد أمام الطريق وأمواج الطريق.
الصعوبات والمعاداة سنّة الله في عباده الصالحين:
-نعم في البدايات ستجد صعوبات، وهذه غالباً في البدايات
لكن في النهايات لا، فافهموا هذا بارك الله فيكم، يعني إن عاداك أحد بسبب سلوكك وسيرك إلى الله فقل الحمد لله، واشكر الله واثبت واثبت، واعرف يا حبيبي أنّك في اختبار، أنّك في ابتلاء، وهذه سنّة الله في عباده الصالحين.
-يعني لا يظن أبنائي يا أحبابي أنّ طريق السير إلى الله كلّه ورود، لا ليس كلّه ورود وليس كلّه أشواك وخصوصاً في البدايات لابد أن يفهم هذا وخاصة بعض الشباب الصغار الذين لم تصقلهم الحياة، لا يفهمون الكثير من هذه الأمور فيستعجلون الثمرة ومن استعجل الشيء قبل أوانه حُرم منه.
ولذلك أسأل الله عزّ وجلّ أن يوفّقني وإياّكم وجميع عباد الله في كل مكان لسلوك طريق لله عزّ وجلّ بسلوك طريق سيّدنا رسول الله على الوجه الذي يرضيه عنّا.
-حبيبي أسال الله تعالى بمنّه وكرمه هذه الساعة أن يرزقنا الصدق والإخلاص بالسير إليه وإلى سيّدنا رسول الله.
-اللهم يا ربّ طهّرْ قلوبنا من النّفاق وأعمالنا من الرياء
وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة، إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
-ربّنا ولا تجعل في قلوبنا إلا للذين آمنوا ربّنا إنك رؤوف رحيم.
-ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهبْ لنا من لدنك رحمة.
-ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عزيز يا غفّار.
-اللهم إنّا نعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك
وبك ومن أن لا نحصي ثناء عليك انت كما أثنيت على نفسك
ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السميع العليم واغفر لنا إنّك أنت الغفور الرحيم، سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون.
سلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين بِسرِّ أسرار الفاتحة مع الصلوات والتسليمات.
…….
انتهاء الحديث للشيخ سراج الدين وتعقيب رائع وجميل من الشيخ مازن الشريف :
-الله الله جزاكم الله خير يا شيخنا، بارك الله لكم وحولكم، ونعم الكلام، ونعم الصوت الشجي، ونعم التذكير بآداب المريد وآداب المُرَاد، وآداب الوارد والورد، والورد الذي يكون من أثر ذلك ولكل ورد شجى ولون وندى وشوك، فمن رامه دون شوكه كان لصاً يسرق بعض بتلاته ويهرب، ومن قبل بالشوك ضمّته البتلات تداوي جراحه وبكى الندى عليه وأفضى الورد إليه وحلّت البركات بين يديه.
-ولذلك حال أهل الله حال رقّة، هم في رقّ والرِّقّ من معاليه الاستعباد، وهم في رقّ، وبهذا الرّقّ رقّوا فترقّوا وراق لهم المشهد فترقّوا في مراقي الاشتياق إلى مراتب العشّاق وهذا يؤدّب فيه الناس بآداب قلبيّة ويصبر على لأوائها وبلائها، فإن لها بلاء ولها بهاء فمن أراد بهاءها دون بلائها وقع في هبائها وضاع في مفازها عن مفازها، والأولى المفازة: الصحراء والثانية: الربح، ضاع في مفازها عن مفازها، لذلك من صبر فاز ومن داوم اجتاز وبينهما مقامات وأحوال.
-هذا العلم علم ذوق وعلم شوق، مؤثر بالشريعة مؤثر بالكتاب والسنة، قال الجنيد: طريقنا هذه قائمة على الكتاب والسنة.
وقال: التصوّف والدخول في كل خلق سليم، والخروج من كلّ خلق دنيء، وقال رؤيم بن أحمد من فقهاء القرن الرابع:
التصوّف والوقوف مع كلّ شيء حسن، وكذلك قال آخرون وكان هذا الكلام منذ سيدي محرز بن خلف التصوّف من صفا وسلك طريق المصطفى وألقى الدنيا بالقفا.
قد نسب إلى غير واحد من أهل الله أنّهم قالوا هذا الكلام وكذلك قال الإمام الجيلاني وثنى به الإمام الرفاعي، قالا معاً؛ طر إلى الحقّ بجناحي الكتاب والسنة، وقال أبو الفتح البستي واصفاً المتصوّف:
تحيّر الناس في الصوفي واختلفوا
وعدّه البعض منسوباً إلى الصوفي
ولست أمنح هذا اللفظ غير فتى
صافى صوفي حتى سُمّيَ الصوفي
-ولعميد العشيرة المحمّديّة الشيخ محمّد زكي ابراهيم قصائد عظيمة في وصف التصوّف وتنقيته من التهريج وتنقيته من كل ما شابه حتى قال أحد الشعراء متكّلّماً عن بعض الجهلة
الذين ينسبون الأمور على غير حقيقتها:
وكم راكباً بغلاً له عقل بغله! تأمّل ترى بغلاً يركبه البغل!! وهذا من ما نسير به إلى أنه يشير إلى أحوال قوم تقمّصوا ما لا يعلمون ونطقوا ما لا يفقهون فضلّوا وأضلّوافكان شأنهم وشأن مريديهم كوصف الإمام عليّ لأعدائه وللخوارج فقال:
ليس من طلب الباطل فأصابه كمن طلب الحقّ فأخطأه.
-فهذا الدجال الدعي الذي يدعي طلب باطلاً فأصابه وقد ألبسه لباس الحقّ ولباس الحقيقة وأما مريضه المسكين فقد طلب الحق فأخطاه وبينهما مسافة فلعلّ تابعاً يكون خيراً من متبوع ولعلّ مريد أن يكون أفضل من شيخ، ولكن ذلك الشيخ لما يتفضل له يحجبه ويجذبه ويغلبه وخارج هذا الإطار أنا دوّنت دكتوراه جميلة في التصوّف وسمّيتها بالتّصوّف الاستراتيجي بنية الأصل وهيكليّة الفروع وكذلك ألّفت في موسوعة البرهان فصلاً كبيراً في علم التصوّف وكذا في الدروس الدينية، ولي عدد كبير من المقالات والبحوث العلمية من بينها بحث أبقيته في مافي اندونيسيا في مؤتمر انما الغزالي عن كتاب المشكاة كيف وصف الغزالي في آخر كتاب الله علم التصوف حتى قال عن جماعة الحلول فيما نسب إليهم من ظن ذلك كقول أبي يزيد البسطامي: سبحاني ما أعظم شاني. ظاهره وحدة وجوهره توحيد، ناقشنا فيه قضايا عديدة، قضايا التأسيس من الحسن البصري ألى معروف الكرخي والسري والجنيد، وأبو القاسم القشيري والحارث المحاسبي وأبي سعيد الخراصوغيرهم من أهل الله وأهل التصوف.
-وما وصلنا إليه أنه ما من سند في الحديث أو في الفقه أو في الرواية أو في أصول الدين إلا وفيه رجال هذا الطريق والذي يحلو لي أن أسمّيه طريقة تزكية التي أتى بها رسول الله وأتى بها ربّه في كتابه، قد من تزكّى وذكر اسم ربّه وصلّى، قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها، ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم، يزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة.
… …
نكتفي بهذا القدر للدكتور الشيخ مازن الشريف العالم الصوفي الكبير.. الفاضل والفاصل بين الحق والباطل..بين الظلمة والنور، مبدي الحقائق وجامع الطرق الصحيحة ومنقّي الدين ومهذب ومشذب لما علق بالطريقة.. العائد بأصول العقيدة والشريعة… الحازم الهمام والعالم بأمور الطرق والمسالك وما عليه للسالك من خير سلوك بين الأنام والتنعم بمقام الرِّفعة عند أهل السلام. الشيخ مازن الذي يروي بصفائه أصفياء القلوب وييسِّر الدرب للطالب والمريد والشيخ والعالم والصالح والتائه على حدّ سواء. علمه من علم لدن كريم واجتهاده من اجتهاد واصل مطلوب سعى وسهر وتعب وسافر وفسّر وفهم وأيقن وحقّق ودقّق وأوصل المعلومة سائغة عذبة الشراب.. يرضي رب العباد ويسير على نهج النبي العظيم خاتم النبيين والمرسلين.. رسول الله إلى العالمين.