تأمّلات في بعض دروس وفلسفة الدكتور مازن الشريف حفظه الله، بدراسة وتقديم علوم النبي وآل البيت، عليهم السلام، نقرأ ونتفحّص، ونحاول أن نتعلّم بقراءتنا أصول التفكير ومنهج التحليل، نلقي الضوء عليها ونستمد من نور عباراتها.
فبدايةً دعونا نرى طريقة التسليم على نبي الله بلسان الشيخ:
نجدها فضلى كاملة منمّقة مرصّعة بالبيان والعبارات القرآنية والمزركشه بلغته وبلاغته الفصيحة ذات الصبغة اللغوية الخاصة به التي لا تخلو من الشعر، فهو يعترف بأنّ "كلامه قد يبدو نوعاً من الشعر اللهجي الجميل، لكنّه حتماً لن يخلو من العبارات والإشارات والرقائق، فكل قصيدة تدريس وتعليم للمريدين"، بقيمة الكلمة وجوهر المعنى.
وافتتاحية الشيخ الدكتور تبدأ إذاً بتحيّة فيها من السجع الكلامي وحسن اختيار الألفاظ مع إعطاء عمق للمعنى بما لا يقترب من المبالغة أو التطويل، بصلاة غير مبتورة، يصلّي ويسلم فيها على آل بيت النبي، يعطيهم حقّهم غير منقوص، ولا ينسى فضل الصحابة الكرام، إذ يقول :
« بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي يُؤمَّن ذكره ولا يُؤمَّن مكره، وقد وَجُبَ حمده وشكره، وصلّى الله على من بالله نُوِّر قلبه ولبّه وفكره وكان أعلى المقام مقامَه فهو حكره، اللهمّ صلّ على سيّد الأنام عالي المقام مصباح الظلام سيّدنا محمّد عليه الصّلاة وعليه السّلام المظلَّل بالغمام المستور عليه بالعنكبوت والحمام إمام الخلق في يوم القيام وسيد الأنبياء و الأصفياء والأوفياء، فهو عليهم جميعاً ومن معهم وفوقهم وحولهم الإمام أمراً وعزّاً ونوراً وذخراً من ربّنا ربّ الأنام الحيّ القيوم العلاّم.
اللهمّ صلّ عليه ما حُقّت صلاةٌ وسلّم عليه ما وجب سلام، وأسمعه منا هذا الكلام،......
وأشهده المقام،.......
وأبلغه منّا جميل جزيل طويل جليل السّلام،......
وعلى آل بيته الطيّبين الهُداة......
السُّعاة الرِّعاة الكرام،......
وعلى أصحابه الغرّ الميامين الفِخام،.......
رضوان الله مولى النَّعماء والإنعام،.......
وعلى الصّالحين الذين يظهرهم الله عاماً بعد عام،.......
وعلى المهدي الذي أظهر الله سرّه بينه وبينه،.....
فبين سرّه وبين ربّه قد وقف بأمر ربّه.....
وقام وعلى شِرعة مولاه استقام،.....
اللهم بارك لنا فيما كتبتَ لنا من صلاةٍ ومن صيام،.....
ومن دعاءٍ وذِكر وقيام،......
وأشهدنا من لطائفك ياربّ العالمين،.....
ما فيه نور وما فيه يقين،.......
وزِد الصّلاة على سيّد المرسلين،.....
طه الهادي الأمين،......
وكما قلت فيما سمعتم منذ حين.
والميم مبدأ كلامي على النّبيّ التّهامي
الهادي خير الأنام والصفوة الفاطميّة
وأنا زايد غرامي بمصباح الظلام
وبِطه رفعت أعلامي بين السادة الصوفيّة
هذا الكلام الذي يبدو نوعاً من الشعر اللهجي الجميل فيه عبارات وإشارات ورقائق، وكل القصيدة تدريسٌ وتعليم لمريدينا، مبدأ كلامي على هذا النّبي، نقول التِّهامي رمزاً لأنّ تِهامة من أرض العرب، ويسمّى فارس نجدٍ وتهامة رغم أنّه قريشي أو قرشي:
وأنا زايد غرامي يا مصباح الظلام
هذا الغرام الذي هو ضِرام، عندما يزداد في القلب يصير وقوداً له!
وبالهادي وبطه رفعت أعلامي بين السادة الصوفيّة
هنا البيت الذي هو مربط الفرس، بماذا رُفع سهمنا؟
بماذا زكى فهمنا؟
بماذا كُفينا همّنا ونلنا ما أهمّنا؟
بما تكشَف الغُمّة؟
بما تهتدي الأمة؟ بما تُنجز المهمّة؟
بما تُرفع الهمّة؟
بما ننجو من كلّ ظلماء مدلهمّة؟
بهذا العشق للنّبي، والمدح للنّبي، والذود عن النبي، وآل النبي ووالدي النبي وكافليّ النبي وكل محبوبٍ للنبي..
بما تُرفَع القامات..
وترفع الهامات..
وتظهر العلامات؟
بِحبِّ هذا النّبي، سيّد السّادات،..
خارق العادات،... صاحب العبادات،...
أقرب الخلق إلى ذات الذّات،...
جميل الصّفات،
سيّدنا محمد.
بماذا ينال المذنب مغفرة؟ سيقول لي قائل، قالوا ممّا يجفو النبي ويجافيه،..
ويخالفه وينافيه،...
ويجهل هذا الدّين وما فيه،...
وينطق بالباطل بِفيه،... وغير النّار لن يكفيه. »
ننطلق إلى المعاني.. والزاخرة أيضاً بجمال اللفظ وهندسة الكلمة واحترافية الجملة بتنميق العبارة..
وفكرة: رسول الله والواسطة الإلهية ومقام العباد و العبيد:
يقول الشيخ:
« الله يغفر الذنوب! إذا قصدت فاقصد الله، إذا دعوت فادعُ الله، "أنت الآن عندما تقول رسول الله تجعل واسطة والواسطة شرك، وهذا بِدعٌ من القوم، إذا قال لنا هذا الأحيمق هذا"، نجيبه نحن نتوسّل بالنّبي، يقول أنت لا تتوسّل بالنّبي، أنت تشرك، تتّخذه ربّاً، أقول له آتني بآية، يقول إنّ الله قريب، أقول له إقرأ
وإذا سألك عبادي عنّي فإني قريب أجيب دعوة الداعي فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي..
طيّب! أقول له ولكنّك لم تفهم متن الآية ولا صياغها ولا سياقها، وإذا سأل عبادي عنّي، أو وإذا سأل العباد عنّي، أو وإذا سأل العبيد عنّي، ما الفرق؟
ما ربّك بظلّام للعبيد، العبيد هنا مقام الظالمين، وبشّر عباد ومقام المؤمنين، ولو قلنا وإذا سأل عبادي فكلمة عبادي هي مقام عظيم جداً..
"وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً.."
العباد الذين فنَوا في حبّ الله وأخلصوا مقام العبودية لله،
إذاً إذا سألك، خاصّة وليس عامّة، ليس كلّ الناس، إذا سألك مَن تحقّقوا بمقام العبودية، مَن تحقّقوا بمقام التوحيد الخالص الذي لا شِرك فيه ولا تشبيه فيه، ولا تجسيم فيه، ولو كانت الآية؛ وإذا سأل عبادي فإنّي قريب، لَجاز لنا أن نتصوّر تجاوز مقام النّبي إلى ربّه.
فهل يقف الدكتور عند مفهوم انتهاء مهمّة النبي بموته؟
... أي أن يقول قائل كما قال من قبل النبي، أوصل الرسالة وأدّى الأمانة وانتهت مهمّته ومات، وأنت الآن إذا أردت أن تكون كالحسين فَصلِّ كالحسين! يقولونها، إذا أردت أن تكون كَعليّ بن أبي طالب صلّ وتصل حتى أفضل منه، وهم رجال ونحن رجال، وكأنّ هذا الأحمق أمّه فاطمة وأبوه عليّ وجدّه النبي!
تصحيح الدكتور لمفهوم " وإذا سألك عبادي عني" الوارد كآية في القرآن:
هذا الكلام قد يجوز وقد يصحّ في هذا الحال، ولكن ربّنا سبحانه وتعالى قال: وإذا سألك، وإذا سألك! وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب،
إذاً مَن المسؤول؟ والمسؤول هنا من معنَيين، المسؤول بمعنى السؤال، والمسؤول بمعنى المسؤولية، أيّ المسؤول من عند الله، المكلَّف من عند الله بإيصال العباد إلى ربّهم، وأن يُسأَل كيف يوصل إلى الله هو رسول الله.
كيف يفسّر الشيخ الدكتور عبارة " ما جاؤوك فسألوك"؟
إذاً في صورة ما جاؤوك فسألوك، حينها أنا قريب بشرط أن يكونوا قد أتوك وقد أخلصوا العبودية، لا يأتيك مجسّد و يقول الله في السماء، لايأتيك واهم كذّاب مرتاب، إذا أتاك هؤلاء العباد ضمن هذا المقام الخاصّ أصحاب صراط الله المستقيم، إذا جاؤوا إليك بذلك على ذلك فإنّي قريب منهم أجيب دعوة الداعي إذا دعانِ، وكيف نفسّر القرآن بالقرآن؟
مقام لووا رؤوسهم ومقام جاؤؤك برؤية الدكتور لها مقامين:
سنرى مقامين ذكرهما القرآن الكريم فيهما تبيان ما يختلف فيه الناس اليوم، المقام الأول مقام لوّوا رؤوسهم، والمقام الثاني جاؤوك، عندنا أهل لوّوا رؤوسهم وأهل جاؤوك، وهؤلاء صفوةٌ خاصّة أشار الله إليهم، قومٌ إذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله، لوّوا رؤوسهم ورأيتهم يصدّون وهم مستكبرون.
فهل رضي القوم بالواسطة المحمدية؟
إذاً إذا قيل لهم تعالوا إلى الواسطة المحمّدية ليكون الرسول بابكم إلى نول ونوال ونيل غفران الله سبحانه وتعالى، تعالوا على الله بالتعالي على نبيّ الله تعالى، فمن تعالى على النّبي فقد تعالى على مَن أعطاه نبوّته، ومن تعالى على الرّسول فقد تعالى على من أرسله.
كيف نفهم أطيعوا الله وأطيعوا الرسول؟
لذلك، وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول، .. أطيعوا الله حتى يقول، ويسلّموا تسليما، تسليم كلّي، نعم! أيّ شيء، فلا وربّك لا يستقيم الإيمان مالم يكن النّبي بابك للرّحمان، وإذ تقول الذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه، الإمام جعفر الصادق أكل طعاماً مع رجل مرةً ثم قال الحمدلله والحمد لرسوله، قال كيف يا إمام؟! ماهذا!! قال ويحك! ألم تقرأ قول الله: وإذ تقول الذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه؟! أنعم الله عليه، وأنعمت عليه! طيّب، سيقول لي قائل هذا الكلام وُجه إلى الصحابة وإلى المنافقين الذين لووا رؤوسهم أو الذين ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا
الله تواباً رحيم،
أقول طالما أنّ للأمة معنيَّة بالخطاب القرآني فهي معنيّة بالخصوصيات القرآنية "وفيكم رسوله"
هذه الآية مستمرة المعنى، إذا غاب عنّا رسول الله جسداً فما غاب عنّا روحاً، فإذا كان الشهداء يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم وإذا كانوا الآن الآن، ومنذ استشهدوا أحياءً عند ربّهم يرزقون، وإذا نهى الله حتى قال لا تقولوا أموات.
ونهى عن الحسبة في ذلك فقال لا تحسبنّ، فكيف بسيّد الشهداء والأشهاد الذي يأتي على العالمين شهيداً، قال ربـّه وجئنا بك على هؤلاء شهيدا، وهؤلاء لها إشارة أخرى، أنبؤني بأسماء هؤلاء، أيّ ذرّية آدم كلّها، هل هو شاهد الأشهاد على الأمم كلّها، على مَن قبلكم تشمل آدم ومَن كان قبله.
فإذا كانت الأمة المحمّديّة شاهدةً على من قبلها، فكيف بِنبيّها وإمامها؟
يأتي على الذين من قبل والذين من بعد! فهذا يعني أنّ هذا الكلام موجَّه لنا أيضاً، فينا رسول الله.
إما أن تكون في مقام وإذا سألك عبادي عنّي تتوجّه بالسؤال إلى رسول الله وتقول يا رسول الله بالصلاة والسلام عليك ومحبّة والديك وكافليك وسبطيك وابنتك وعليّك وكل موصول بك من أصولك وفروعك والخلّص المؤمنين من أصحابك الصادقين الميامين المؤمنين المخبتين المنيبين الذين والوا علياً أمير المؤمنين؛ تحت هذا الشعار، بكم ندخل على حضرة الله، على حضرة الرّب، على حضرة القدّوس السبّوح.
إذا كان ذلك مقامك، فكلنا في مقام ظلمنا أنفسنا، حينها جاؤوك، كيف نأتي إلى رسول الله؟ من باب الذّلّ، كيف نمضي إليه؟ بالقلوب.
لا يتعلّق هذا الأمر بالذي يزور النّبي في مقامه في المدينة المنوّرة لأنّ هذا ليس بمقدور الجميع أن يصلوا إليه.
كيف إذاً أقترب حتى أقترب، كيف أقترب ممّن يقرّبني إلى حضرة الرسول؟ بورّاثه الأحياء بين الناس، فلا يخلو زمان من وارث محمّدي، وارث حارث، فربّ وارث غير حارث فهو كسول متخاذل ورث نسباً فلم يحرث ذلك النسب، ورث قمحاَ فلم يزرعه ورب حارثٍ غير وارث فهو يكدّ ويشقى ليل نهار ولا يحقق ما يروم تحقيقه إلا بالاتصال بوارث، الحارث الذي يحرث بأرض دون وراثةٍ محمدية مفصول عجول لا يدري ما يقول، كبت في كبت في كبت، وعنت في عنت في عنت، لابدّ أن يتّصل كلّ وارث بحارث، وأمّا كمال الأمر فهو اجتماع الوراثة بالحراثة، أن يكون مقامك:
وبطه رفعت أعلامي بين السادة الصوفية،
أن يكون مقامك:
وأنا مريدب سالك في أقوم المسالك
يضوي الظلام الحالك بالشمس اللدنيّة
نكتفي بهذا القدر ونتابع في المقال القادم حول مفهوم الوراثة والحراثة المحمدية، وأهمية مجالس الذكر التي تقيمها المنارة في حفظ وتفعيل هذا السّرّ المحمدي في الوراثة والحراثة والمنسوب والمحسوب، وما إلى هنالك من معان زاخرة وفيوضات إلهية بالصدق والصفاء والحقّ، عامرة بالعلوم المازنية الخضرية الآل بيتيّة المحمدية النقيّة البيضاء.