نساء طيّبات وصحابيّات ارتقينَ لمراقي الحبّ والقرب

« أم أيمن أمّي بعد أمي » - صلى الله عليه وآله وسلم

بواسطة رجاء شعبان
30 أبريل، 2024
إنّها أمّ أيمن المرأة المُبارَكة المربّية التي نالت شرف القرب من النّبي الهاشمي العدنانيّ ومشاركتها في احتضانه طفلاً والوقوف والثبات معه لآخر مراحل حياته وحياتها، فيا له من عظيم شرف الأمومة بعد أمّه ويا له من ثبات موقف، وحبّ كبير قدّر هذا الشرف وراعى ورعى وغذّى هذا الموقف، لِتنال الخير في المحصّلة ولْيخبر الرسول عنها بأنّها من أهل الجنّة، قائلاً لها: "يا أماه" !

هي الصحابية الطيّبة أم أيمن الحبشية، كانت حاضنة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، واسمها الحقيقي بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن، تُكنَّى "أم أيمن"، من القلائل الذين عرفوا الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، عن قرب وشهدت مراحل نموّه مذ كان طفلاً صغيراً حتى قَبْضه عن عالم الدنيا، لهذا كان تصديقها للرسول نبيّنا ليس عن إقرار بأمر الله سبحانه وتعالى فحسب، بل لما عرفته فيه من مكارم حسن الخلق والخليقة وسيرة الأخلاق الجميلة ، فما كان الفضل لبني أمة العرب لها إلا أن يكون محمد فيها ومنها..
وقد أخبر الرسول عن أمّ أيمن بأنّها من أهل الجنّة، وكلّ من ترجم للصحابة من أهل المعاجم أثنوا عليها بامتيازها في الدين والعقل وحسن السيرة، وابنها أيمن استشهد بين يدي رسول الله صلی الله عليه وآله في غزوة خيبر فاحتسبته عند الله صابرة تبتغي الأجر والمثوبة.

محطّات من حياتها:
"بركة" بنت ثعلبة بْن عَمْرو بْن حصن بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان، وهي أم أيمن غلبت عليها كنيتها، إذ كنيت بابنها أيمن بْن عبيد، وهي فيما بعد غدت أم أسامة بْن زيد. تزوجها زيد بْن حارثة بعد عبيد الحبشي، فولدت له أسامة، يقال لَهَا مولاة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وخادم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عرفت بأم الظباء، هاجرت الهجرتين إِلَى أرض الحبشة وإلى المدينة، و ذكر المفضل بْن غسان الْغَلابِيّ، عَنِ الْوَاقِدِيّ، قَالَ: كانت أم أيمن اسمها بركة، وكانت لعَبْد اللَّهِ بْن عبد المطلب، وصارت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ميراثًا، وهي أم أسامة بْن زيد.
"بركة" إذاً وصيفة لعبد الله بن عبد المطّلب أبو رسول الله صلّى الله عليهما وسلّم، يعود أصلها لرقّ من زنوج الحبشة، وصارت للنبي ميراثاً بعد وفاة أبيه. هاجرت الهجرتين، الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة، والثانية من مكة إلى المدينة، فكانت تتميز تلك الصحابيّة الأمّ بالعاطفة الحيّة، والحنان الصادق الذي بلغ ذروته، ونالت من مراتب الإيمان العليا، وحظيت بالتكريم من الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وآله، كما وصلت لمكانة عالية بين النساء، أصبحت بفضل الله تعالى حرة رفيعة القدْر، يشار إليها بالبنان، ويغبطها على مكانتها المتميزة من سائر بني جنسها، كيف لا؟ ورسول الله صلى الله عليه ووآله كان يقول لها: "يا أماه"؟! وهل فوق درجة الأمومة من درجة؟؟!

مواقف من حياتها:
من أوائل المواقف المضيئة لأم أيمن، موقفها الرائع يوم أن ماتت آمنة بنت وهب أمّ النبي صلى الله عليهما وسلّم ، فقد توفيت آمنة بالأبواء (وهي قرية بين مكة والمدينة) أثناء عودتها من زيارة أخواله بني النجّار بالمدينة المنوَّرة، وكانت أم أيمن بصحبتها في هذه الزيارة، وفي تلك اللحظات الحرجة الأليمة، ظهرت أم أيمن بعطفها وبرّها برسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي كان طفلاً في السادسة، وعادت به إلى مكّة وحيداً يتيماً حزيناً على فراق أمّه آمنة. فتظهر أصالتها وسعة عاطفتها الانسانية، ومتانة الخلق، وطبيعة الوفاء، ومودّتها لتسجّل أروع الأعمال فى حضانة النّبي صلى الله عليه وسلّم، وعنايتها الفائقة به، ناهيك بأنَّ جدّه عبد المطّلب سلام الله عليه، كان يوصيها به، ويرشدها إلى الاهتمام ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، وألا تغفل عنه طرفة عين ولم تخالف الوصيّة بعدها.

وقد نشأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو يرى أم أيمن تتحفه بكرمها وتبرّ به، ولهذا كان يقول لها: "يا أماه"! واذا نظر إليها قال: "هذه بقيّة أهل بيتي"، بل كان قد أحلّها منزلة تقترب من أهل بيته عندما قال لها مرة "غطّي قناعك يا أم أيمن".
وعندما تزوّج النبي صلّى الله عليه وسلم السيّدة الفضلى "خديجة" أعتق مولاته أم أيمن، فتزوجها عبيد بن زيد الخزرجي فولدت له أيمن بن عبيد وكنيت بها.

وقد زوجتها السيدة خديجة من "زيد بن حارثة" الذي وهبته إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأعتقه وزوجه "أم أيمن" بعد النبوّة، لما كانت لأم أيمن رضي الله عنها منزلة ومكانة عظيمة وقدراً كبيراً عند النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، يكفيها من الفضل أنّه كان يقول فيها: "من سرّه أن يتزوج امرأة من أهل الجنّة فليتزوج أم أيمن"! وهذا مما عظّمها في عين زيد بن حارثة، فتزوّجها رضي الله عنهما، وولدت له "أسامة بن زيد".
وكانوا لهم جميعا منزلة كبيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ويزورها في بيتها ويذكر فضلها ويقول: "أم أيمن أمّي بعد أمي". وعندما قام النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الإسلام، كانت أم أيمن من السّابقات إلى التصديق به، وذلك لما عهدته من الاشراقات النبويّة قبل بعثه، وقال عنها ابن الأثير: أسلمت قديما أول الإسلام.

جهاد السيّدة أم أيمن وزوجها وأولادها:
كغيرها من أوائل المؤمنين والمؤمنات، لاقت العذاب والأذى من قريش بسبب إسلامها، فهاجرت الهجرتين الأولى إلى الحبشة والثانية إلى المدينة، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وأخذت أعمالها تزداد فى الظهور والاشراق وخصوصاً فى مجال الجهاد والصبر والجود.
ومن مواقفها العظيمة المشهود بها بالتضحية والفداء والعمل على رفعة الإسلام وتوطيد أركانه، فقد حضرت "غزوة أحد" ، وقامت بسقاية المجاهدين، ومداواة جراحهم، وشهدت كذلك "غزوة خيبر" مع ثلّة من نساء الصّحابة، وقد أعطاهنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم عطاءً يسيراً من الغنائم. ويوم حنين، كانت في ركب المجاهدين مع وَلَدَيها أيمن وأسامة رضي الله عنهما، وكان ولداها من المئة الصابرة التي ثبتت حول النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ، وسقط أيمن شهيداً، ولم يزدها استشهاده إلا إيمانا وتسليماً.
فكانت أم أيمن ممّن ضربن أروع الأمثلة في مجال الصّبر والتسليم لقضاء الله عزّ وجلّ، ففي سريّة مؤتة، كان زوجها زيد بن حارثة أميراً على الجيش الغازي في سبيل الله، وكان أول الشهداء، وتلقت نبأ استشهاده بنفس راضية صابرة، واحتسبته في جنات النعيم.

أم أيمن بعد انتقال النبي للرفيق الأعلى:
لما توفّي رسول الله وانتقل للرفيق الأعلى، وقفت أم أيمن والحزن يملأ قلبها، والدموع تفيض من عينيها، فجاشت عاطفتها البريئة، وقالت: ما أبكى أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم ولكن أبكى أن الوحي قد انقطع من السماء.
وظلت أم أيمن تحظى بالمكانة الكبيرة في حياتها، وبعد موتها، وكذلك أحفادها الذين ينسبون إلى ولاء رسول الله صلى الله عليه وآله، فكان يقال لهم "بنو الحب".
كما أنّها راوية للحديث الشّريف، فقد روت عن النبي صلى الله عليه وسلّم، وروى عنها أنس بن مالك، وحنش بن عبد الله الصنعاني، وأبو يزيد المدني.
وأم أيمن هي التي استشهدت بها فاطمة عليها السلام في أمر فدك، فشهدت لها، وجاء في خبر وفاة الزهراء عليها السلام: أنّها لما مرضت، دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس وعلياً (ع) فهي حضرت وفاة فاطمة الزهراء عليها السلام.
وتوفيت أم أيمن رضي الله عنها بعد النبي صلّى الله عليه وآله بخمسة أشهر، قال ذلك الذهبي وابن حجر رحمهما الله. رضي الله عن أم أيمن وأرضاها، وأسكنها فسيح جنّاته، ورفع مقامها في الدنيا والآخرة وأتبعها دار الأبرار والصدّيقين.

منشورات ذات صلة

من أدب وكتابات المعلّم

ماذا أضاف الدكتور مازن الشريف للأدب؟ هل رَوْحَن الأدب.. كيف نرى ونقيّم…

بواسطة رجاء شعبان
5 يونيو، 2024
هل الدكتور مازن الشريف رجل خارق

قراءة في الإنسان الخارق، دراسة كمثال في أحد مشاهد رواية المعلم والتنين…

بواسطة رجاء شعبان
31 مايو، 2024
في هذه المدرسة الخضرية « المدرسة المازنية الآن »

"من مريد عارف ومهتمّة باحثة في المدرسة الخضرية" عن الولي نتكلّم.... "… شاهد المزيد

بواسطة رجاء شعبان
5 مايو، 2024
الإنسان

غداً سيكون عيد مولد إنسان

بواسطة رجاء شعبان
25 يناير، 2024
مشروع أطروحة : المادية بين الواقع والشخصية من البرهان الى الحقيقة

عنوان الاطروحة : المادية بين الواقع و الشخصية من البرهان الى الحقيقة… شاهد المزيد

2 يونيو، 2023
فريق في الجنة وفريق في السعير

دأب الصالحون من أنبياء وأولياء على حفظ وتوارث السر الإلهي فيهم وانشغلوا… شاهد المزيد

بواسطة محمود حكم
5 أبريل، 2023