نكمل كلامنا في حديث الدكتور الشيخ مازن الشريف تحت عنوان الوراثة والحراثة المحمّدية، هذا المصطلح الجديد والجميل الذي جاء به الشيخ الدكتور ليفصّل لنا معان وقيم ما كانت لتخطر في بالنا لولا إضاءته الكريمة والموفّقة، فهل المصطلح موجود من قبل؟ وما معنى ذلك؟
هل حقاً يوجد وراثة نبوية، أو ما كان يسمّى ميراث نبوي؟
- ورد في القرآن:( وورثَ سليمانُ داوودَ) النمل :16، ( وإنّي خفتُ المَوالي مِن ورائي وكانت امرأتي عاقر فهَب لي من لّدُنك وليّا) "مريم: 5"
أيكون الاتصال بالحضرة من دون ورّاث؟ ويتمّ ذلك من دون حرّاث:
يقول الشيخ:
لابدّ أن يتّصل كلّ وارث بحارث، وأمّا كمال الأمر فهو اجتماع الوراثة بالحراثة، أن يكون مقامك:
وبِطه رفعت أعلامي بين السادة الصوفيّة
أن يكون مقامك:
وأنا مريدي سالك في أقوم المسالك
يضوي الظلام الحالك بالشمس اللدنيّة
لابد من وارثَين اثنَين ليتمّ الوصل والاتصال:
كي تصل وتتّصل لابدّ من وارثَين لعلّهما حيّ بين الأحياء وحي بين الذين تجاوزوا الأحياء،
بمعنى ليس من مقام إلا فيه وارثان، وارث محمدي نبوي شريف، من أولياء الله الصالحين جعل الله ومقامه ومزاره محطة إلى رسول الله.. ووارث حيّ بين الناس ناطق متكلّم بالإرث المحمّدي يبين بيانه عن عنوانه،...
ويبين عنوانه من بيانه،.... مخبوءٌ بين قلبه ولسانه،.....
فإذا عرفت غرفت،..... وإذا دريت وَصلت،....
وإذا توسّلت وُصلت،.... حينها نصل إلى مقام جاؤوك.
مجلسنا مبارك يجمع بين الوراثة المحمّدية والحراثة في السّرّ المحمّدي!
فما الفرق بين الوراثة والحراثة وما هي نقاط التقاطع والالتقاء بينهما؟
عندما تأتي إلى هذا المجلس المبارك الذي يجمع بين الوراثة المحمّدية والحراثة في السّرّ المحمّدي،
الوراثة من سرٍّ ينتقل من صدر الى صدر،...
والحراثة من علمٍ يتأمّل من سطر إلى سطر..
الوراثة حملٌ ثقيل،....
والحراثة نور من الله يُقيل،...
الوراثة ما كانت عند الجدار،
والحراثة اليد التي أقامته،…
الحراثة عمل آني، والوراثة امتداد زمكاني
هذا الجدار عندما اشتاق إلى الصّالح الذي بناه، وثقل عليه الكنز الذي تحته فاعتلاه، وطال انتظاره لخضرٍ يقيمه بيُمناه، نسب الله إليه إرادة الانقضاض، فقال يريد أن ينقضّ، فلما أن جاءه صاحبه فأقامه ولم يتخّذ عليه أجرا، أسند تلك الوراثة بحراثة الوقت، فإنك تحرِث أرضك الآن والأرض قبلك، قديمة، وتزرع قمحاً قد يكون عمره ألف عام، لن ينبت حتى تزرعه، فالحراثة عمل آني، والوراثة امتداد زمكاني، وبينهما يقع برهان ربّنا الرحمان، وتجلّي نبيّنا العدنان.
من مجالس جاؤوك
" أصحاب لووا رؤوسهم عن أحفاد وورّاث رسول الله" :
فنحن اليوم في مجلس من مجالس جاؤوك، ويصدّ عنّا أصحاب لووا رؤوسهم، ومن علامات أنّهم لووا رؤؤسهم عن رسول الله، أنّهم لووا رؤوسهم عن أحفاد وورّاث رسول الله، فلما انتقل الحبيب المصطفى إلى الرفيق الأعلى لوّا القوم رؤوسهم عن عليّ وجاء آخرون إلى عليّ يلتمسون من عليّ باب النبيّ، لأنّ النبيّ قال مَن كنتُ مولاه فعليّ مولاه! فأقامه في مقامه بما لم يقم به أحداً غيره قبله ولا بعده وبما لا يجاوره ولا يجاوزه فيه أحد، ومالا يمكن أن يأخذه منهم أحد لا بأمر سياسةٍ أو بأمر تعاسةٍ أو بأمر نجاسةٍ أو بأمر كِياسةٍ أو بأي أمرٍ من أمور الدنيا أو من أمور الملك أو أي أمرٍ آخر.
إرث محمّدي كامل، فلما انتقل الإمام أخذها الحسن ثم الحسين ثم أخذ أحفادهم وأولادهم، وليس فقط الأئمة الاثني عشر بل أخذ إدريس الأكبر نصيباً، والحسن المثنى نصيباً، وزيد بن علي نصيباً، وأخذ أبناء كل إمامٍ نصيباَ، جعفر الزكي أخذ نصيباً وأولاد عليّ أخذوا من ذلك نصيباً، أبناء الزهراء، أبو الفضل العباس وأخواته، إخوانه الذين استشهدوا في كربلاء، أو الذي نجا من ذلك عمر الأكرم، كلٌّ أخذ نصيبه،عبد الله الكامل أخذ نصيبه، بل جاوز ذلك إلى أولياء الله الصالحين، ورّاث محمّديين.
أصحاب الذين ضلّوا السبيل هم الذين يعتقدون أنّ الأمر انقطع بارتفاع حجّة:
الذين يظنّون أنّ الأمر انقطع بارتفاع حجّة يبقى مخفياً، قد ضلّوا السبيل، أخطؤوا من حيث ظنّوا أنّهم أصابوا، لأنّه: لا تخلو الأرض من وارث محمّدي حيّ بين الناس، يذكّر بأمر الله، ينهى عن نواهيه، ويدعو إلى ما يسرّ الناس في نظرٍ إلى وجه الله، وما يسرُّ الله في نظر إلى وجوه مخلوقيه تحت بند الحديث الذي رواه البيهقي:
"يحبّبون عباد الله إلى الله، ويحببون الله إلى عباده"
المحسوب والمنسوب بالوراثة
عبد القادر الجيلاني أخذها" الوراثة" عن اقتدارٍ وجدارةٍ في زمانه، وارث حارث محمّدي صمداني، والمحسوب كالمنسوب وإن كان المنسوب أعلى مقاماً، لا يقل أويس القرني شأناً ولا سلمان المحمّدي، ولا الإمام الغزالي، هؤلاء أيضاً حرّاث محمّديين حرثوا في أرض الطّهر العلم والفكر والروحانيّة والتفسير، السيوطي له باعه في ذلك، مالك وأبو حنيفة وابن حنبل والشافعي وابن سعد والأوزاعي و أبو سفيان الثوري وسعيد بن جبير وعبدالله المبارك والفضيل بن عياط والحارث المحاسبي والشبلي والبطائحي والجنيد والسري السقطي وكذلك معروف الكرخي هؤلاء بنوا هؤلاء بنوا أعمدة التصوّف؛ رؤيم بن أحمد، هؤلاء بنوا هذه الأعمدة، الحسن البصري، رابعة العدويّة، أحدّثك أسماء كثيرة.
أسماء عظيمة في الوراثة والحراثة المحمّدية
ثمّ، لمّا جاء زمن عبد القادر كان شيخها جامع بين النسب والحسب، والرفاعي يسنده والجشتي يعضده والبدوي بعد ذلك والدسوقي وابن مشيش ورسلان وعدي بن مسافر وعقيل المنبجي وحياة بن عيسى الحرّاني، وبقاء بن بطّو، أبو مدين شعيب الغوث، إلى الشاذلي الذي جمّل التصوّف وكمّل حاله، حتى نرجع إلى محرز بن خلف وإلى أبي زيد القيرواني، وابن اسحق بني غاني، ثم نمضي إلى الصفوة التي أحاطت بأبي مدين شعيب في تونس، المهدوي والباجي، أبو يوسف الدهماني، أبو علي النفطي.
جبل الصالحين
حتى نتسلق جبل الصالحين، إلى مولاي ابراهيم في المغرب وسبعة رجال في مراكش، وسيدي بليوط، والشيخ الدباغ، أولياء الله في أرض الله أجمعين، إلى الشيخ عبد السلام الأسمر والشيخ أحمد التيجاني، إلينا نحن اليوم، ليست بمقطوعة ولا ممنوعة.
هل تسقط الراية؟
لا تسقط الرّاية أبداً، تذكّروا مؤتة كيف كان حالها، من يد إلى يد إلى يد، عندما قطع كفّا جعفر وجاء زيد لم تسقط الراية، لا تسقط راية أولياء الله، عندما ينتقل أحدهم إلا وقد أقام الله بجواره جديداً عرفه الناس أو لم يعرفه، عندما انتقل سيدي محمد الطيب بو ساحة في تونس ظهر واشتهر شيخ الأبحفيان، سيدي عمار.
وعندما انتقلوا ظهرنا نحن اليوم ونطقنا بما أنطقنا الله به، وسيظهر المهدي ويظهر رجال ويظهر رجال حتى ينزل عيسى، وينتقل فوق جبل عرفات مع أربعين مؤمناً، فهذه المجالس أيها الأحباب ننظَر إليها بقلوب مؤمنة سواء حضرتها سامعاً أو مشاهداً أو حاضراً شاهداً،
دعوة لتعظيم شأن النبي محمد في زمن يُغتَال فيه النبي
عظّم شأن النبي محمد، أكرِم اسم النبي محمد، أحسِن ذكر النبي محمد، عزّز حبّ النبي محمد، أيّد راية النبي محمد في زمن يُغتَال فيه النبي، يُقتَل مع كل رضيع في غزّة يُقتَل، مع كلّ أمّ تُقتَل، مع كلّ مظلوم يُقتَل، مع كل أسير يدفنونه حيّاً كما دُفن حِجر بن عديّ بن حاتم الطائي مظلوماً لأنّه رفض لعن الإمام عليّ على يد ظالمٍ بغي ابن بغيٍّ وابن باغٍ، ووالد بغي باغٍ، الدّعي ابن الدّعي كما وصفه الحسين بن عليّ، كلّ مظلوم يُظلَم، يحارب فيه رسول الله.
حال النّبي وهو ينظر لشهداء غزّة
لو أنّنا لنا أن نسمع النّبي وهو ينظر لشهداء غزّة لَقال:
شهيد غزّة منّي وأنا من شهيد غزّة، أحبَّ الله مَن أحبَّ شهيد غزّة
عندما قال الحسين منّي وأنا من حسين، أيّ عندما يُقتل الحسين أنا المقتول، عندما يُطعَن المطعون أنا على وجه الحقيقة، الصهيوني الآن الذي يقتل أطفال غزة ويضربهم بهذه الأسلحة الفتّاكة، إنّما يضرب في قصده النّبي ويضرب القائم المهدي متربّصاً خائفاً لائذاً ممارساً للسحر وممارساً لكلّ مكر، ولكن الله غالبه من حيث ظنّ أنّه غالبٌ لله والله غالبٌ على أمره، يوم كان فرعون يقتل رضّع بني اسرائيل كان في الحقيقة يقتل موسى، يروم قتله فإن لم يقتله قتل لأجل عدم قتله مَن قتلهَم، لعلَّ ذلك الخبر يصل إلى موسى بعد ذلك فيؤلمه حتى أظهر الله موسى من قصره وقاده إلى قبره بين ضفّتي بحر كأنّهما الموت، لذلك تتكرر التواريخ.
أهميّة وأذونات هذه المجالس المباركة في السّرّ المحمدي
لم نقم هذه المجالس الخضريّة ولم أقف شيخاً لهذه الطريقة ولا نطقت أنّي سليل رسول الله ولا أفاض الله عليّ من هذه المعارف معقولها ومنقولها مما تعدّد وتمدّد وأتعب المحبّ والكاره والمتابع والمادح والقادح إلّا لإذنٍ أُذِنَ في القلب. ومَن أراد أن يسمعها ويعيها فذلك له، استغفر لكم رسول الله فهي له، جاؤوك، ومن أراد أن يلوي رأسه، فهي له وهي كذلك عليه، فلينظر كلٌّ في شأن نفسه وقلبه، فلنعظّم جميعاً قدر النّبي شريف الذّات.
ومَن يسألنا لماذا تكثِر من ذكر آل البيت وذكر سيدنا محمّد نقول:
المجالس الحديثيّة عابقة بذكر الصّحابة ولا ينقص من قدرهم، ولسنا نزاحم أصحاب رسول الله الميامين الخُلَّص الطيّبين المؤمنين المخبتين المنيبين الذين والوا علياً أمير المؤمنين، وأخلصوا للهادي الأمين حيّاً ومنتقلاً، وإنّما نحن تخصّصنا في حبّ آل البيت وذكرهم لأنّ الذين ذكروهم بين مقامين:
قومٌ اتخذوهم تجارةً، وقومٌ قصرت دونهم العبارة، فالتجّار بهم على ضفّتي المذاهب كثير، والذين كانوا محامون فاشلون أيضاً كثير، نحن لا نتاجر بدمائهم، إنّما نحن منهم، من سرّهم وصلبهم ومائهم وطهرهم ووفائهم ونور سنائهم وجمال بهائهم.
وفي الختام أفضل وأتمّ السلام
الحمدلله على ذلك، اللهمّ صلّ أفضل صلاة وأزكى سلام على سيّدنا محمّد الهادي الأمين سيّد المرسلين، وعلى آله أجمعين، ونختم مجلسنا المبارك هذا ببعض الذكر بأن نقول الله حيّ، الله حيّ، صلّ على النبي الحي.
وبالنتيجة لا يسعنا إلا أن نقف بانحناء واحترام لعلوم الشيخ المازني الوارث المحمدي والحارث في العلوم المحمدية الدكتور "مازن الشريف" والتي تجمع علومه كل الأنبياء والمرسلين، متابعاً لفقه الأولياء ومجدّداً جامعاً شاملاً علوم الأولياء والأوليين، بزمانٍ جاؤوا فيه يحاولون تجاهل ذكر النبي قصداً وتشويه دين النبي والتغافل عن آل بيت النبي…
ولكن كما قال الشيخ: لا يخلو زمان من وارث محمدي! والله إننا وجدناه به هذا الوارث وهذا الحارث، هذا المجتهد وهذا المكافح المدافع الذي لم يعتمد على نسبه فقط بل جال بلاد الله الواسعه وقطع الفيافي والمدن وزار الشخصيات وأحيا المناسبات بما يخدم النبي ودين النبي وشريعته وعقيدته ناشراً لمبادئه وعلومه وعلوم الأنبياء والصالحين محيي ذكر كل من يستحق ممن غادروا الحياة الدنيا وممن مازالوا يجتهدون ويعيشون وينهلون ويجاهدون… فهنيئاً للعلم والدين به، وطوبى لنا به وبوجوده وارثاً حارثاً منسوباً محسوباً مباركاً بين الصالحين، مفصّلاً آيات ربّه وفاعلاً مشاركاً بنشر الحق والجهر بالحقيقة، في ساحات يكثر فيها القتال بالزيف وإخفاء الحقائق ولكن أمر الله يتمّ وسيتمّ نوره بإذن الله رغم أنف المخاتلين المتلاعبين بالحق والعلم والدين.
وحفظ الله شيخنا ومعلّمنا جامع المجد من كل أطرافه والقائل بثقة بما معناه: مَن يأتي ويجابهني فأنا جاهز، متوارثاً ووريثاً لعبارة سيد الرجال ومعدن الفصاحة والبلاغة، وارث النبي الإمام علي، حين قال: "سلوني قبل أن تفقدوني" .
ومن أراد متقصّداً أو غافلاً أن يتجاهل دور النبي ولا يعترف له بوارث أو ولي، وكان من أصحاب مقام " لووا رؤوسهم" نستشهد لهم بحديث لسيد رسالات الخالق، النبي الكريم محمد "ص" إذ يقول وهو العالم بما سيؤول إليه الحال والمآل: : مَن قطع ميراثاً فرضه الله ورسوله قطع الله به ميراثاً من الجنة.
وهذا الحديث منقول عن أبي هريرة قال، عن رسول الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.