هل الدكتور مازن الشريف رجل خارق

قراءة في الإنسان الخارق، دراسة كمثال في أحد مشاهد رواية المعلم والتنين "باموتُو"

بواسطة رجاء شعبان
31 مايو، 2024
 الإنسان الخارق... مَن هو الإنسان الخارق.. هل هو الذي خرج عن الواقع أو المألوف البشري بالقدرات؟ هل هو الذي هبط من الفضاء ويحقق المعجزات؟ هل الأنبياء بهذه الحالة خارقون؟ الأنبياء بشر مثل الناس يجري عليهم ما يجري على الناس ولو أنهم في كينونتهم خارقون.. لكن لم يكن يبدو عليهم شيء من الخرق للطبيعة والمعتاد إلا عند الضرورة القصوى بتحدّي الشّر الذي أتوا من أجل دحره وبما يخدم الإصلاح ويثبت الرسالة الإلهية... إذاً مَن هو الخارق بمخيّلتنا إذا فصلنا الأنبياء من شروحاتنا ووضعناهم ضمن بوتقة العصمة والاستثناء البشري أو البحثي؟

في مخيلة كل طفل وإنسان تمنّي لشيء خارق يحدث في حياته يمدّه بقدرة قويّة تساعده في تنفيذ مبتغاه، ومهما استكبر الإنسان يبقى يسعى لذلك وتطبيقه خاصّة إذا كان من أصحاب السطوة والسلطة فإذا كان خياله مريض وأمنياته مجنونة سعى رغم كل شيء لتنفيذها مهما كان الثمن، ومن هنا يظهر السلاطين المجرمون الطاغون الباغون كفرعون وستالين... أما إن كان للإنسان البسيط ذو النوايا الخيّرة فإنّه يسعى لتطبيقها في خياله وتجسيدها في اجتهاداته ومواهبه ولجوئه للخيال الموحي مجسّداً إيّاها بذات الوقت، وحال ذلك الفنانون والموهبون فناً وإبداعاً... أما الإنسان الذي نريده نحن الإنسان الخارق الحقيقي الذي ينصف الواقع والحقيقة ويجسد الخيال ويلهب المخيلة ويجعلنا نندهش مما نرى.... فمن هو؟ قد جُسد بقصص عبر التاريخ بالحكايا التي ينام الأطفال على دغدتها... كبابانويل وقد يتلمسون في الأعياد جزءاً منها كأن يتمثّلونها سواء بالملابس؛ الزي أو الهدايا لتشجيع الأطفال على الفرح وتنمية الأمل لديهم... لكن أنا أقصد الخارق للكبار! ألا يوجد بمخيّلة كل كبير خارق يفكّر به ويتمنّى بلحظة أن يكونه هو فيقول مثلاً لو كان معي فانوس علاء الدين... أو لا تعتقدي يا فتاة معي عصا سحرية أو لا أستطيع أن أذهب بك للنجوم.. بتعيشي معي عالحصيرة أهلاً وسهلاً... ومن هذا الكلام... أو من يقول لولده المجتهد ماذا سينفعنا علمك هل سيملأ بطوننا خبزاً...!

للأسف الإنسان مخلوق متناقض جداً يريد الإنسان الخارق وليس لديه باع طويل في صنعه، ويؤمن بالمعجزات ويكذّبها... ويدّعي الروحانيّة المؤمنة ويرفضها... ويظلّ يسعى في واقع كالحلزونة التي لا تترك وراءها إلا خيط بزاق....

لنعد إلى الإنسان الخارق.. هو البطل البسيط الذي يشعر بأدقّ تفاصيل مأساتنا دون أن نتكلّم له... وقد عزفت أفلام الكرتون على ذلك ببعض مشاهدها وقصصها الجميلة كصاحب الظّلّ الطويل... أو القدر المتغيّر بلحظة بعد خديعة ونكد كالأميرة والضفدع... لكن حين يصحو الطفل للواقع ماذا سيرى؟ سيرى كل مَن حوله يمسك سياط ويجلده ويدعوه ليكون واقعيّاً ويفكّر كما تفكّر البهائم فقط وممنوع التحرّك خلف هذه الدائرة.

طبعاً مصطلح الإنسان الخارق يشغل الجميع دون استثناء... حتى المرأة في الحقل تحبّ من يشعر بها ويجعل منها نجمة خارقة... وفي هذا الزمن الذي نحن فيه أصبحنا بفضل التكنولوجيا والوهم كلّنا خارقون.... أصحاب حوانيت نفتح حوانيتنا ونتاجر بإنساننا الخارق المُشتَهى الذي كان ميتاً في داخلنا وجاءته فرصة فنهض ليقول أنا الخارق... أنا هو الموعود... أنا هو المنقذ.... أنا صاحب القدرات... أنا علمي أوسع.. أنا أفكّر بكم... أنا يهمّني أمركم.... أنا أنا أنا..... وتزدهر المملكة... مملكة الأنا وتكثر الحوانيت وتنتشر الدكاكين من أنواع البضاعة والفكر البشر المزركش الملوّن والفاقع والثقيل والخفيف وكلّه خارق.... الزمن الافتراضي.... مساحة الوهم هذه أوحت للنّاس بأنّها طارت فوت ثقل وقيود الواقع وغدت لها أجنحة خارقة تطير بكل أنواع القدرات والامكانيّات التي أوصلتنا للعجز... حوانيت من دون قدرة شرائيّة... من دون بضاعة حقيقيّة... بضاعة مزيّفة خلقت منّا إنساناً مزيّفاً فقد هويّته بين تناقضه بتمسّكه بثقله في الواقع وملامسته للتراب ولحسه إيّاه وبين السحابة التي حملته عبر النت إلى عوالم الدّهشة وتحقيق المعجزات...

أين ضاع الإنسان الخارق أو الحقيقي.. أين هو... في أي محيط ابتُلع؟ سبحان الله.... على مشيئة الله وغواية النّاس بابليس عشقَتْهُ وكان موجوداً بها وخرج منها ألعاباً وأوهاماً وأفكاراً تؤنسها! كثيراً ما نحلم بأن يكون لنا بعض الخوارق.. طبعاً لنتخلّص من بؤسنا وكوابيسنا في مواقف وربّما لنعانق عالم الأحلام الساحر كنومنا على الغيمة بدل الشوك والصخور....

الإنسان الخارق حلم كل انسان وأمنية كل كائن للخلاص أو بالخلاص... فهل هذا الكائن موجود؟ هل عرف كيف يدعنا نعيش بسلام ولا يفصلنا عن واقع، وبالمقابل لا يدخلنا في أوهام ويأس؟

الإنسان الخارق يجب أن يكون إنساناً طبيعيّاً عاديّاً ينمو كسائر البشر لكن يتغلّب على كل الظروف والمعوقات والتحدّيات يؤمن بالله ويمدّه الله حسب طلبه واجتهاده ونواياه... هو لا يفكّر بنفسه إلا كمخلوقاً يجب أن يكون أهلاً للخلق من قبل خالق عظيم خلقَهُ وبعثه في زيارة ومهمّة إلى الحياة وحمّله أمانة هو اختارها حبّاً وعجلةً واستحياءً وغفلةً ربّما، لكنّه تداركها وحاول إثباتها بالخير دوماً، هو لا يأخذ أموال النّاس ليغدو غنيّاً ولا يعيش على أكتاف أهله أو أي أحد ليرسم لنفسه هالة الهيبة ولا ينعزل في كهف أو قصر عاجي كما يقولون... سنراه ذاك البسيط الذي يشعره البسطاء منهم بل أبسط لكن بلحظة سيكون قائدهم في الدّفاع عنهم... سيراه الأذكياء المتغرطسون المنافسون جبهة منافسة لكنّه سيغلبهم دون أن يفتح جبهة معهم... بل بفوزه الصامت عليهم وتجاهلهم، ونَفَسه الطويل في عدم التسرّع والملل واليأس من الواقع... هو ذاك الذي تحلم فيه الفتيات أنّه شاعرها ويمسك بضميرها ويشعر بها ولا ينتكس لظروف أو يهرب وقت المعمعة... سيراه الفقراء أمل السماء دون أن يدروا كيف، فهم يلجؤون إليه دائماً ليكون سندهم... سيراه كلّ مظلوم سيف حقّ.. سيكون بطل أفلام الأطفال الذي ينقذهم من كل شرّير وينتصر دوماً ويكبر فيهم بطلاً لا يُهزَم يقلّدونه.

الإنسان الخارق بالكتابة هو الذي يعتمد على الغيب منطلقاً من الواقع فلا تراه يتكلّم شقاقيع أو غيبيات لا تُصدّق..

الإنسان الخارق خارق لكن دون أن يحسّسك بذلك...كالماء المنساب رقراق يروي الجميع.

حين أعيد النّظر للماضي يظهر أمامي بكل مسرحيّاته... وأتذكّر نظريّة الإنسان الخارق الذي طالما ألهب مخيّلتنا وأشعل رؤيتنا ولولا ذلك لم نقدر أن نطعّم لحظاتنا بذاك الأمل... هو نافذة الخيال الذي نستلذّه حتّى لو علمنا أنَّه خيال... ولكن نقول أمر واقع، هذا الخيال لتطعيم الواقع بالجمال والمقبول...

فماذا لو أصبح هذا الخيال حقيقة والواقع خارقاً ونهض واقفاً أمامنا بكل هيبة الجلال والتواضع هذا الخارق؟

إنه الدكتور مازن الشريف.... عرفناه بأنّه خارق من خلال كتاباته.... بل كل ما فيه ويصدر عنه يشي بأنه الخارق... وتكاد الحواسّ لا تصدّق ذلك لأنّها اعتادت على أنّ الخارق أمر صعب مستصعب رؤيته أو لمسه وتحقيقه كفيلم هندي للمتعة البصرية المشهديّة! ... وللحقيقة أنا لا ألوم هجمة بعض المناكدين والجهات الغريبة حوله أحياناً، لأن كل ما حوله يثير الريبة ويدعو للدهشة التي تقول: أممكن هذا؟ أي ممكن أن نحيا زمن المعجزات بإنسان بسيط منّا وفينا...كأي طفل بين أهله في الريف، تعلّم في مدرسة يسوّرها الشوك و رعى الغنم وعاش تجربة المشرّدين والنوم في الشوارع وتوسّد الأرصفة بالبرد والبكاء على الفقراء بعض الأحايين... تدرّب على الشاطئ وأكلت الأمواج من لحمه وسافر طوى المناطق وألفته الصحراء الضحضاح فكان ألفاً وأنساً لها وشاعراً يحادث أرواح الشعراء فيها ويلتقي مجاميع الأولياء والصلحاء في خلوات لا يتحمّلها كائناً كان غيره .. ليخرج عالماً وفقيهاً وخبيراً وباحثاً ومحقّقاً ومدقّقاً بكل الشؤون والمجالات.. ليخرج قرآناً آخر ناطقاً ومفسّراً لآيات الله بقرآن نبيّه التفسير الصحيح.. بطل الفنون في الدفاع، الداعي إلى السلام فيها ومحرّك طاقات الإنسان الكامنة…

نحن الآن نحتفل بوجود الإنسان الخارق بيننا.. هذا الإنسان الذي يمدّنا بالأمل بأنّنا كلّنا ممكن أن نكون خارقين فيما لو عرفنا مكامن ضعفنا وقوّتنا فتحاشينا كسلاً عندنا وعانقنا جهداً وأملاً فينا.. الإنسان الخارق حريّ بنا أن نحتفل به ونزهو رغم موتنا وطمرنا برمال واقع مخزي لم يعد فيه شيء إلا هزائم شيطان ودخان معارك.... سينتفض بنا إلى وجود رائع ونحن نبتسم غير مصدّقين وقد اعتقدنا حالنا ابتلعتنا الأجداث..
.
الإنسان الخارق هو المعلّم الكبير....الكاتب العظيم، الإنسان الكوني الذي أتى بما لم يأتِ به أحد من قبله في عالم الكتابة والرواية والشعر وكلّ شيء، لكن هنا نركّز على جانب الرواية والإبداع في المخيّلة وتجسيدها قصص باطنيّة ظاهرة علنيّة ضاربة في عمق النفس البشريّة متخطّية حدوده الزمنيّة المعروفة مستشرفة ومستقرئة مستقبله وما بعده إلى عوالم ما فوق العالية، ما بعد السحب السرمدية، فسبحان مَن جاء بالأسطورة الزمنيّة الخارقة بهيئة شخص بسيط سيبدو، لكنّه خارق! الأسطورة الأدبية التاريخية الزمنية المستقبلية بما يمكن أن نسميه فنّ لعبة الزمن، أو كشف اللعبة القدريّة، بكل هدوئه وبساطته وقدراته المختبئة وراء مظهر رزين يبهج كل حزين ويقوّي كل مشلول ضعيف... أمل المظلومين ورَوْحَنة المكلومين وجناح الثكالى وعزم الشباب المنطلق.

طبعاً خطر ببالي هذا المصطلح للإنسان الخارق بعد اطلاعي لما يجري في العالم ومشاهدة ما يُعرَض ومن ثمّ متابعة بعض دروس للدكتور مازن الشريف وقراءتي لرواياته الثلاث: المعلم والتنين، ولي الله، الغريب… لتكتمل الصورة أكثر بعد المقارنة واستقراء لكل ما دار في ذهني من أحداث وقصص تقاطعت مع الواقع والسرد القرآني فجاء هذا الاستنتاج.

ونحن لا نقدر أن نأتي بالبحر كلّه لنعطي مثال، ولكن يمكن أن نأتي بقطرة منه تدلّ على خاصيّة ماء هذه البحار فتكون منها دليلاً إليها.

ونستشهد بمثال وقراءة بذات الوقت تدلّنا بعض الشيء على الفكرة التي نتكلم عنها وتعطي الكثير من بعض، نستكشف من خلال بساطة هذا الانسان الخارق واستثنائية هذا الانسان الذي غدا خارقاً باجتهاده وتفعيل إمكاناته ووصوله للحكمة في فهم الحياة ومعرفة مصائر الدول، وتحليلات دالّة وموحية وشافية لشروحات نريدها وجاءت تلقائية لبعض مشاهده برواية المعلّم والتنّين.. فهذا المعلّم وهذا التنّين.. لنعرف كيف يعلّمنا ويسير بنا حيث دروب الرقي والمعرفة بالتفكير والسلوك وإضائة الخبايا والغيبيّات والقوى الممكنة والكامنة وإظهارها والأخذ بها.. أبجدّيتنا الجديدة في مناهج التفكير وطرق السلوك الصحيحة، بما لا عين رأت ولا أذن سمعت من قبل بهذه الصحّة والدقّة والرقّة والوصف والحدث الممكن والذي صار.

وهذا المشهد التاسع عشر من رواية المعلم والتنين بعنوان:

يامُوتو
نبدأ بالدراسة والتحليل:


تكمن القوة الحقيقية في الوعي بالضعف، ومهاجمة نقاط ضعفه فينا، فكم يخاف ضعفنا من أن نسترد الذاكرة، ونعلم كم نحن أقوياء.

غرورنا، هواجسنا، ورغباتنا التي لا تنتهي ولا تشبع، تجعل الضعف يستوطننا.
يسكننا الخوف من الآتي، والحسرة على الماضي، والشك في الموجود والحاضر.
إنها المأساة التي لابد منها.

والسعادة الفعلية، هي التأقلم مع المأساة، مع كوننا جميعا سنموت يوما ما، لكن علينا أن نقف حتى اللحظة الأخيرة، وأن نستمر في رؤية شموس الأمل رغم كل سحب اليأس والألم والقلق المحيطة بكل ركن من آفاقنا التي تتسع لأوجاعنا وتضيق كثيرا بأحلامنا الجامحة.


* "هكذا بدأ المشهد بمواعظ وحكم مهمة جداً عامة في الحياة، تركزت هنا على ضرورة المعرفة بمكامن ضعفنا والعمل على مواجهتها وذلك لاسترجاع أو استرداد الذاكرة، فكلّنا لدينا خوف من مواجهة ذكرياتنا وأعمالنا وأفعالنا وأفكارنا وخيباتنا ونقاط ضعفنا المطمورة أو المطموسة في ذاكرتنا... ومتى ما واجهنا مافينا وعملنا على التخلص من خوفنا وإصلاح ذات بيننا عرفنا بالمقابل نقاط قوتنا التي هي أكثر وتطغى على ضعفنا بل لتكاد تبيده!
هو الإنسان رحلة حب ومعرفة لا خوف وجهل وضعف... هكذا يجب أو يلمّح به الكاتب بما يجب عليه أن يكون أو نكون نحن".

كان المعلم يحدثنا ونحن نصغي لكل حرف، أكثر من مائة تلميذ بعضهم ينتمي لقبيلة الكوغا، وآخرون من الإيجا، يتجاوزون عداوة الماضي إلى الصداقة الأقدم وقرابة الدم منذ أن كان أجدادهم حراس الحاكم في أوكيناوا قادمين من الصين تنفيذا لأوامر الامبراطور الذي كان يحكم أرخبيل الروكيو قبل أن يفتكه الساموراي الياباني ويكون تحت حكم الشوغون.

* " هنا يركز الكاتب ويؤكد على أهمية التآلف الممتد لخارج رابطة الدم حتى، والمتخطي حدود القوم أو المكان الواحد"

*وهكذا انتقل من فر منهم إلى قريتين مخفيتين في اليابان، الكوغا والإيجا، ليمارسوا فنون التخفي، وليكونوا مقاتلي الظل، الننجا.
* "هنا مَن يريد أن يتدرب لابد له من انحسار لفترة أو مدة عن مسرح الحياة والأضواء يركز على تمارينه ويطوّر قدراته بما لا يشغله شيء"

ولكن المعلم شينوبي أضاف الكثير، فقد أتقن كل فنون القتال في زمننا، تدرب على فنون الشاولين في المعبد في هونان، وعلى فنون الوودنغ فوق الجبل، وتدرب على التأمل في أرض التيبت لأعوام، ثم تدرب فنون الجتسو والساموراي حتى أصبح الأقوى، وظهرت عليه قوى وقدرات غريبة كأنها السحر، وانتشر خبر معركته التي اختفى بعدها في أرجاء البلاد كلها.

فقد وقع الشوغون مرة في كمين، وكان المعلم شينوبي حارسه الشخصي المباشر، وحين كثرت السهام وتداعت السيوف من كل جانب، قام بختمة بيده حرك ريحا قوية، ويقال أن تنانين حمراء وصفراء ظهرت، وأن نارا اشتعلت، ولا أحد يذكر على وجه الدقة، فقد أغمي على الجميع، وتم قتل كل المهاجمين دفعة واحدة بشكل غامض غريب ترك حروقا ورموزا على أجسادهم، وكان ثمة دائرة في الأرض عليها كتابات غامضة، ولم يعثر أحد على المعلم شينوبي، فقد اختفى ولم يظهر ثانية.

* "هنا ترميز للمعلم الأكبر الذي هو بطل الرواية وبطل الواقع باسم شينوبي وامتلاكه بقدرات خارقة عدا عن تمكنه من امتلاك جميع أنواع فنون القتال، مضاف إليها طبعاً السرّ الرباني لماوراء الطبيعة وقدرة معرفة العقل البشري على التصور".

وعندما أتى ذلك الطائر إلى قريتنا، نظر في عيني مباشرة، واختفى أيضا.
بعدها كان ما كان في قريتي، ووجدت نفسي في القرية المخفية.


* " إشارة هنا لحياة البطل المخفية في القرية المخفية لسرّ ما تريده القدرة الالهية"


كان ذلك لغزي وسري، وأعلم أن لكل تلميذ من تلاميذ المعلم سرا ولغزا يختفي خلفه سبب قدومه او استدعائه لهذا المكان، وفيه كيف تم جلبه ولماذا، وفيه المأساة التي تعرض لها والظلم الذي جعله يريد أن يتحول إلى مقاتل ننجا لا يقهر.

* " نعم تم استدعاء البطل لهذه القرية لسبب ما... إذ له قصة وليس فقط لوحده لديه سر وسبب وقصة اختلفت في الشكل وكانت في المضمون واحدة بذات الهدف... لكن كان الدرب أو الطريق والتمثيلية والدور بأن يعيش حقيقة القصة مع البطل ذاته لكي يفهم أبعادها جيدا ويدرك السر فيما بعد من وراء المهمة الموكلة إليه لتطبيقها على أكمل وجه... فالكاتب هنا لا يبخس حق أبطاله من التلاميذ لديه... إذ لكل واحد قصة.. وليس فقط هو ذو أهمية وقدرة ودور".

كان المعلم يحب الكلام النظري، وكنت أتوثب للتمارين العضلية، لتقوية جسدي أكثر، فأنا قصة مختلفة، وكلنا كذلك في الحقيقة، لكني سأكتفي هنا بقصتي، لعل من يقرأ كتابي يجد فيه شيئا يشبهه.

*"هنا بعد التمهيد وإعطاء فكرة عامة عن الشخوص والأحداث التي سوف تجري ووصف المكان والزمان والتاريخ والعودة إلى الأصول ينطلق الكاتب في تفصيل مشهده هو... البطل"

اسمي الحقيقي، حسنا، لا أذكره الآن لأنه مات مع ذاتي القديمة، أو احترق ليلة الحريق الكبير الذي كاد أن يقضي على عشيرتي كلها، أو ربما نسيته حين تغيرت حياتي في ليلة واحدة.

* " هنا يلمح لنا عن اسمه القديم قبل دوره هذا على الأرض... حسب ما ذكر بإحدى القصص... فالكاتب كل متكامل بمشاهده وقصصه ودروسه ورواياته...لتكتمل المشهدية العامة بالحياة، كما يشير إلى أن أسماءنا في السماء ليست كما هي الآن.. فمثلا النبي محمد بعالم السماء...اسمه أحمد".

عشيرة السيف الفضي، كان مؤسسها “كاو تشن”، جدنا الأول، عبر طفلا مع بعض أهله من جزيرة الفرقد حيث نشأ، إلى أرض غابة المطر، والتي أصبحت بعد ذلك أرض الجراد.

* " نعم دلالة وإشارة كيف يمكن أن تتحول المدن والقرى والبلدان من قرى خصبة تنعم بالوفرة الى أرض يباس ينتشر فيها وينهشها الجراد، طبعاً سنرى مع تكملة السرد أن الكاتب برّر ذلك وأرجعه إلى الطمع وتغيّر أنفسهم حيث القسوة والضلال.. فلا يغير الله مافي قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

كان الناس يعملون في الفلاحة ويقدمون القرابين لملك الجراد كي لا يغزو كل محاصيلهم.
وكانت الفلاحة قائمة على أنواع من الخضر، والكثير من الأرز.
وملك الجراد قاطع طريق ومجرم يسكن الجبل، واستغل ضعف الامبراطور وعدم سيطرة قواته وقادته على كامل تراب الصين الشاسع، ليبطش بالضعفاء.


* " هنا إشارة إلى جهل الناس بمن يستغلهم معتقدين بجهلهم وطيبتهم وخوفهم الزائد وتعوّدهم على ما ألفوه من عبادات دون تفكير...معتقدين أن مستغلهم هو منقذين غير مدركين لحقيقة الواقع لأنهم لا يفكرون.. لا يواجهون... ولا يتحدون خوفهم فيقدمون القرابين لملك الجراد الذي يأتي إليهم بالموت.... كالذي يقدم الطاعة لرب فاسق من البشر مغتقداً بذلك أنه يعبد ويُرضي الله رب العالمين".

وكان في عادة سكان قريتي أن يكون لهم مهرجان سنوي، للبهجة والفرح ولشكر القديس العظيم على مِنحه وبركاته.
ويتم في المهرجان زرع مائة شجرة جديدة، وجمع كل الأطفال في أفضل الملابس، والقيام بحركات بهلوانية ورقصة التنين المحببة للجميع، وأخيرا تقديم الطعام لكل الحاضرين والزوار من القرى المجاورة، مع غناء الأطفال لأنشودة الخصب:


“دائما، كل عام
ورغم السحب الشحيحة
نعلم أنك سوف تأتين
أيتها الغيمة السخية
لتمطري في حقولنا
فترقص الزهور
ويغني العصفور الدري
ويعم الخصب أرضنا
شكرا أيتها الغيمة الرحيمة
سنزرع ونحصد ونرقص ونغني
وسنطعم الجياع
ونطعم حتى الجراد
شكرا للقديس العظيم
ولأرواح الأجداد”


* "هنا على جهل أهل القرية وانسياقهم وراء الظالم لكنهم كانوا بداخلهم طيبين... يفرحون ببراءة ويدعون بكل طيبة لكي لا تحل اللعنة وتصدقهم الغيمة حين يدعونها لتمطر... وسنجد أن الطيبة تشفعت لهم من الدمار النهائي والخراب الأبدي.... فالطيبة والنية الحسنة وإبقاء الإيمان والتفاؤل بحسن نية حتماَ سيتشفّع ويأتي بنتيجة ايجابية".

وهذا المهرجان لم يكن سوى احتفال بالنجاة، من قصة لم يعد أحد يصدقها، لولا جدة جدي السابعة التي تركت أثرا مكتوبا عن كل ما رأت وشاهدت، وتجزم أننا أحفاد المعلم الكبير فودجا.
*" ما دعاهم للاستمرار في إقامة المهرجان بشكل سنوي قصة قديمة لسابع جدة لجدهم تعلمهم فيها وتذكرهم بأصولهم النبيلة التي تحثهم على أن يكونوا هكذا ايجابيين فرحين معطائين يدعون بالبِشْر والخير فيأتي إليهم لكرامة أصولهم.. بمحافظتهم على نبالة فروعهم ونسبهم الأصيل الذي يجب أن يبقى ذلك؛ هنا أهمية سماع الكبار وعدم تجاهل كلامهم كما يحدث الآن في زماننا".

تقول القصة أنه ومنذ ثلاثمائة عام أو أقل، كان أهل القرية يسكنون بجانب غابة مطيرة، لكنهم لم ينفذوا ميثاق أجدادهم في حماية الغابة بل قطعوا الأشجار، ومنعوا الطعام عن العابرين إلا بمقايضات باهضة، فمن لم يجد أجبروه على العمل المضني مقابل طعامه، حتى جاء رجل غريب يلبس ملابس صفراء بالية ويمسك بعصا، وعيناه زرقاوان، رغم أنه يبدو صينيا لكن مختلفا.

*هذه المحاولة للدخول في تفاصيل وقراءة قليلا بين السطور" لمشهد من رواية المعلّم والتنّين للدكتور مازن الشريف":
للحقيقة: كتابات ذات دلالات مختلفة... وهنا ركّز المشهد المنفصل والمتّصل على الجانب الخيّر لدى الإنسان وخاصة البسطاء... كان البطل غريب ومجنون وكلاهما ذات دلالات... فلا تأخذنا المظاهر ونقف عندها... إذ لكلّ شخص بشكله وطبعه وما يبدو عليه بعداً آخر وسرّاً... ينتظر تنفيذ المهمّة في الوقت المناسب... بعد أن عاش بين القوم.. في القرية وائتلف طباعهم وأحبّ أن يساعدهم وقت الشدّة.
أيضا ركّز المشهد على شخصيّة الخضر الموكل بتدريب أصحاب المهمّات الإيجابية وتنفيذ القضاء المبرم وتركيزه على الرّحمة قبل الحكم أو البحث عن نافذة ضوء والتصويب عليها… فالعدل الإلهي صعب فيما لو نفّذ وطبّق بأعمال الناس الخاطئة وذنوبها المستحقّة... كانوا يقطعون الأشجار والطرقات ويزيدون في الأتاوات ويمنعون الصّدقات ويفتكون ويظلمون ما يستدعي الغضب الإلهي.... لكن في مهرجاناتهم كانوا حسب الطقوس يرتدون الملابس الجديدة ويرقصون ويهزجون وينادون بالخير لتُستجاب دعواهم ولو من غيمة... والأهمّ من ذلك كانوا يزرعون مائة شجرة.... هذا السّباق بين الخير والشّرّ والنزعة التي تسبق في النّفوس هي التي كان يركّز عليها الخضر... النزعة الإيجابيّة... الخضر الذي عاش مع البشر على الدّوام وعرف أفعالهم وتصرّفاتهم جيّداً وشجّع على الايجابي المبدع بقلب كلّ مصلح... بل ودرّبه وعلّمه وأنقذه ورأف به.
و الصراع مع شخصيّة ذي القرنين الذي يطبّق الحقّ والعدل دون هوادة أو رحمة وهذا عائد لدوره وحياته مع أقوام الحضارات التي طغت فأبادها بالمهمّة الموكلة إليه... نعم الجبروت والرحمة هنا يسيران جنباً إلى جنب عند الكاتب ويتحاوران في همس ونظرات... فيما يجوز وفيما لا يجوز....

طبيعة البشر الذين ينسون بسرعة من أنقذهم... طبيعة البشر النكراء للمعروف الهلوعة والجزوعة

فهل التّوبة تزيل العقوبة...؟ هل بالإمكان النّجاة من وسط الدمار؟ هل هناك حقاً معجزات؟ هل هناك عوالم ما فوق السماء؟ هل السعادة تكمن في الأمل الممتدّ رغم اليأس؟ هل القدرة على التأقلم فيها سعادة حقيقيّة؟ هل يوجد عوالم مخفيّة؟ وشخصيات مخفيّة؟ وقرى مخفيّة؟ وأدوار مخفيّة؟... هل وهل.... ستسأل أسئلة كثيرة جدّاً والأجمل معرفة أجوبة لها بإسلوب سلس ولغة مبسَّطة وحكاية قديمة وإسطورية ناعمة من عالم الواقع... إنه لإعجاز الكتابة والوصف للمعلّم والكاتب مازن الشريف... ملك الملوك وصاحب أجمل التنانين... جامع في شخصيّته كل ما يمكن أن تقرأه وتتخيّله من إعجاز في كل شخصيّة.
لتنتهي في النتيجة عزيزي القارئ أنّنا أصبحنا في زمن شخصية الرجل الخارق.. والإنسان الخارق الذي ترجمه المعلم البسيط والكبير مازن الشريف.
ببساطة وفي الختام، تكلّم لنا الدكتور مازن الشريف عن إحدى الشخصيات التي أطلقوا عليها مصطلح: الخارقة، وهي شخصية بيتر هوركس، ولكن نحن هنا أمام شخصية مذهلة الخوارق، ذات خصوصية تجمع كل الخصائص التي لا تخطر على بال ولم تأتِ نتيجة صدمة أو حدث طارئ أوحادثة غيّرت المجرى، بل هي شخصية كانت قبل وبعد، وتبقى ذات الاستثناء والقدرة والتقدير والمعنى والاجتهاد والسرّ الأعظم مما لا يطاله تحديد أو توقّع ودراسة، السرّ المتجلّي نبعاً وعلماً وحكمة.





منشورات ذات صلة

من أدب وكتابات المعلّم

ماذا أضاف الدكتور مازن الشريف للأدب؟ هل رَوْحَن الأدب.. كيف نرى ونقيّم…

بواسطة رجاء شعبان
5 يونيو، 2024
في هذه المدرسة الخضرية « المدرسة المازنية الآن »

"من مريد عارف ومهتمّة باحثة في المدرسة الخضرية" عن الولي نتكلّم.... "… شاهد المزيد

بواسطة رجاء شعبان
5 مايو، 2024
نساء طيّبات وصحابيّات ارتقينَ لمراقي الحبّ والقرب

« أم أيمن أمّي بعد أمي » - صلى الله عليه وآله…

بواسطة رجاء شعبان
30 أبريل، 2024
الإنسان

غداً سيكون عيد مولد إنسان

بواسطة رجاء شعبان
25 يناير، 2024
مشروع أطروحة : المادية بين الواقع والشخصية من البرهان الى الحقيقة

عنوان الاطروحة : المادية بين الواقع و الشخصية من البرهان الى الحقيقة… شاهد المزيد

2 يونيو، 2023
فريق في الجنة وفريق في السعير

دأب الصالحون من أنبياء وأولياء على حفظ وتوارث السر الإلهي فيهم وانشغلوا… شاهد المزيد

بواسطة محمود حكم
5 أبريل، 2023